البطولة هي التضحية من أجل الآخرين وليس إتيان العمل الخارق فقط، والبطولة هي بذل الجهد من أجل الغير، وهي محاولة تغيير الواقع الماثل إلى ما هو أفضل.. لذلك كان ما قام به الكابتن ياسر محمد الصفي بطولة حقيقية لأنه أنقذ حياة أربعة وأربعين مواطناً ومواطنة من أبناء هذا الوطن وتحمل ضغط الأعصاب «القاتل» منذ أن إكتشف العطل الفني في الطائرة الفوكرز «50» التابعة لشركة الخطوط الجوية السودانية عندما حاول أن يهبط في مطار ملكال بدولة جنوب السودان صباح أمس الأول.. تمالك الكابتن الشاب أعصابه، وعاد أدارجه إلى مطار الخرطوم وأبلغ المسؤولين بالعطل الذي أصاب طائرته، وطلب إعداد الترتيبات والتجهيزات اللازمة للهبوط الأضطراري لأنه يعلم أن مثل تلك الاستعدادات مستحيلة إن لم تكن منعدمة في مطار ملكال. تلقيت محادثة هاتفية من أخ وصديق أبلغني من خلالها ب «المأساة المرتقبة» وقال لي إنه يخشى حدوث كارثة لأن طائرة سودانية عادت من «ملكال» وهي تحلق الآن في سماء الخرطوم في انتظار نفاد الوقود حتى تهبط اضطرارياً وإن هذا الأمر يشكل خطراً كبيراً على ركابها وطاقمها البالغ عددهم خمسة وأربعين. أعلنا حالة الطوارئ في الصحيفة، وبعثنا بمندوبينا إلى المطار، وأمسكنا قلوبنا بين أيدينا ورددنا الدعاء تلو الدعاء أن يلطف الله بركاب الطائرة وبنا وببلادنا وألا تحدث كارثة. أخذنا نتابع الهبوط الذي تم بصورة فيها إعجاز ومهارة عالية أكدت على أن بلادنا بخير وشبابنا بخير وحتى «سودانير» التي هاجمناها مراراً وتكراراً بخير طالما أن بها مثل هذا الكتابتن الشاب الشجاع ياسر الصفي الذي لم يتجاوز عقده الثالث بعد.. وتأكدنا من سلامة جميع الركاب وسعدنا للاستقبال والتكريم الذي وجده هذا الشاب البطل من زملائه ومن قادة العمل في الطيران المدني والخطوط الجوية والمطار، لكن هذا التكريم وحده لا يكفي، وفي أذهاننا صور أبطال من كل أنحاء العالم قدموا التضحيات الكبيرة لأوطانهم ومواطنيهم فاستحقوا نتيجة ذلك تكريم دولهم ومؤسساتهم السياسية والوطنية. لذلك كم نتمنى أن يتكرم السيد المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية أو نائبه الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه أو النائب الدكتور الحاج آدم بتكريم هذا الشاب العظيم الذي إجتهد فوق حد الإجتهاد لانقاذ أربعة وأربعين مواطناً ومواطنة وأنقذ معهم طائرة لم يصبها إلا ضرر طفيف نتيجة الهبوط الاضطراري وأنقذ سمعة وطن بأكمله رعاه الله وكان آخر من خرج من الطائرة بعد أن اطمأن على سلامة الجميع.. خرج وهو رابط الجأش ثابت الجنان تعلو وجهه إبتسامة النصر.. والبطولة.