3اكتوبر 2011م السلام عليك يا الصديق مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. أمدرمان بقعة المهدي وميدان الخليفة يتزين بليالي الذكر والذاكرين وأصوات المايكروفونات تنقل أصداء المديح في مولد المصطفى صلى الله عليه سلم والإمام الصديق والأنصار يستقبلون ضيوفهم من الأقاليم والضواحي في مدينة الأصالة والتاريخ ، في أحلى وأروع أيام المولد. الإمام الصديق زعيم الأنصار وحامل اختام تاريخ السودان يجلس في لحظات تفكير عميق .. وصوت المبدعين وضربات النوبة والذاكرين يصل إليه فيزداد خشوعاً وتدمع عيناه وهو الذي تركه والده يحمل ذلك العبء التاريخي وكما قال المحجوب: فيا أبا الصادق الصديق أنت لها بعد الإمام ونحن الجحفل اللجب فهكذا حال أهل الصفوة تهزهم لوعة الذكر. فمن مثل الإمام، حافظ كتاب الله، المتبتل، العابد فدموعه كانت دموع العابد الورع التقي فيها أشواق وتذكار وحنين ووفاء لمن رحلوا. يطل الإمام من على البعد إلى الساحة المزدانة بالأعلام ينظر فيشعر بالمودة الصافية يتذكر الأبطال الأشاوس الذين وفدوا إلى المدينة التي اكتسبت الشهرة والسماحة والتي تحمل روح الإسلام الذي غرسه الإمام المهدي فيحس بثقل المسئولية للحفاظ على هذا النسيج المتفرد الذي وثق الله بين أهله وشائج المحبة والمودة، والأخاء. الحديث الخافت بين الإمام وقلبه ووفاؤه لوالده وللرجال الذين وقفوا معه يثير في النفس الشجن ويبعث الذكرى العطرة للماضي والتاريخ والبطولة والاستشهاد. وبين الحاضر والعسكر يكممون الأفواه ويجعلون البلاد حكراً لتصرفاتهم. التاريخ والأنصار والرآيات والتهليل والتكبير وصهيل الخيول شريط طويل أمامه مستقبل البلاد ينتظره والحاضر وضربات النوبات وأعلام الطرق الصوفية وصوت الأنصار داخل السرادقات يناديه ، والوطن يناديه والتاريخ يسجل المواقف فإذا بصوت الرصاص يقتحم الساحة ويعلو فوق نوبات الذاكرين وأصوات التكبير والتهليل ترتفع وتبدأ المعركة بين الحق والباطل.. لقد انتهكت حكومة العسكر حرمة الميدان وأطلقت الرصاص للإرهاب ثم سقط الشهداء واحداً تلو الآخر يرفعون أصابعهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء كأنما التاريخ يعيد تصويراً لكرري. اهتز الإمام للمشهد مثلما اهتز قلبه للمأساة فتضاعفت أمامه المسؤولية. وأشرأبت نحوه الأعناق خاصة بعد أن لملمت المدنية جراحها ووارت جثامين الشهداء ولأن الحدث غير متوقع فقد تجمعت أمام عيون الإمام كل العواصف وفي ليلة حزينة باكية والمدينة قد اصبحت قبلة لأهل السودان الذين توافدوا من كل فج عميق بعد أن سمعوا بمرض الإمام والأطباء حول سريره وهو مسجى يتلو كتاب الله في دواخله.. كان متماسكاً في صوته قوة لا يستهان بها وكما ذكر الإمام الصادق فإنها كانت أشبه بمسرحية أو تمثيلية. في هذه اللحظات جلس وأزاح عنه كل العلاجات وتلا على ابنه الصادق وصيته الخالدة بقوة ورباطة جأش حيرت الأطباء والشهود، والوصية كانت متكاملة فصلت كل أمنياته التي حوت نيل الديمقراطية وحكم الشورى مهما كلف وكذلك وصيته للأنصار ودائرة المهدي وصية خلدها التاريخ لأنها كتبت بنور القلوب المحبة لله وللوطن. وكان الإمام والناس حول الدار وأمدرمان ساكنة، واجفة، دامعة تذكر مواقف الرجل وقيادته للمسيرة بعد وفاة والده فقد كان كل أهل السودان يضعون ثقتهم في شخصه فوالده الذي قاد المسيرة في صمت وحنكة وإيمان مع اختلاف الوسائل المهدوية فقد كانت حياته ممتلئة بالقوة والتدبير. عندما اسلم الصديق روحه واهتزت الأسلاك بنقل الخبر مثلما اهتز الفرسان وهم على صهوات جيادهم وعلا النحيب وخرجت حرائر امدرمان باكيات حزينات لوداع الرجل الذي كانت يده ممدودة بالعطاء والستر والطيبة عندما رحل الرجل النقي التقي العفيف، العابد الصابر، الرجل النادر والذي كان كالريح المرسلة كرماً ونبلاً وعطاء. تذكرت كلماته لي عندما أرسل لي ذات يوم بعد وفاة والدي الحبيب الفجائية فلبيت نداءه في الحال عندما قال لي وما زالت كلماته ترن في أذني انتي يا حفية بنتي، أنا والدك فهل تقبليني أبا لك!!. فنم قرير العين في جنات الخلد يا الصديق: وا ضيعة الأمل المرجى للغد أودى الحمام بخير شهم سيد صال الردى في غفلة فعدا على من قام في وجه الزمان المعتدي حاولت تكذيب النعاة فرددوا كرهت سمعي ليته لم يوجد يا شؤم يومي من فقدت بي الذي أرجو وقدوتي التي أنا اهتدي