حملت زيارة الدكتور محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني إلى الخرطوم مؤخراً، حملت الكثير من المعاني والدلالات وتطرقت إلى العديد من الملفات على مستوى البلدين السودان وإيران، والملفات الأخرى على مستوى منطقة الشرق الأوسط، التقت (آخر لحظة) بالسفير جواد تركاباوي سفير الجمهورية الإسلامية بالخرطوم في حوار كامل تناول ما وراء زيارة نجاد وأهم الملفات التي ناقشها، وأوجه التعاون المشترك بين البلدين، وهل قدمت إيران دعماً اقتصادياً مباشراً للسودان، إلى جانب وجهة نظره لما يجري على الساحة السياسية من متغيرات لبعض الحكام في الوطن العربي، ولماذا تقف إيران إلى جانب سوريا؟.. فنترك القاريء يطلع على حوارنا مع السيد السفير وكيف جاءت إجاباته حول ماطرحنا عليه من أسئلة. كيف تنظر إلى العلاقات السودانية الإيرانية، وكيف تقرأ ما وراء زيارة الدكتور محمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية إلى السودان مؤخراً؟ - العلاقات السودانية الإيرانية عميقة وقوية، يجمعنا الإيمان والعقيدة المشتركة، ويجمعنا الموقف السياسي، أما زيارة الدكتور محمود أحمدي نجاد لم تكن الزيارة الأولى للسودان، فهناك لقاءات عدة على هذا المستوى الرفيع وكانت آخرها قبل زيارة أحمدي نجاد، الزيارة المهمة جداً والتاريخية التي قام بها فخامة الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس جمهورية السودان إلى إيران، والتي كانت قبل ثلاثة أشهر وكان للزيارة طابعها وأثرها الخاص، فزيارة الرئيس الدكتور أحمدي نجاد جاءت تلبية للدعوة الكريمة التي وجهها المشير البشير رداً على تلك الزيارة واستكمالاً للمباحثات والمشاورات المتداولة بين الرئيسين، فنحن لا ننظر إلى ما خلف الزيارة، وإنما إلى ما أمامها.. ونحن مستبشرون خيراً بأن يكون مردها لمصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، وهذه الزيارة كُللت بالنجاح الكامل، لأن الاتفاق كان شاملاً وكاملاً في شتى المجالات التي اكتنفها الحديث وفي كل النقاط التي تم تناولها من قبل الرئيسين، العلاقات الثنائية، التعاون على الساحة الدولية، التعاون في إطار تطورات ومجريات الأمور في هذه المنطقة المهمة والحيوية جداً والتي نشترك فيها، وأيضاً التعاون في المجالات الاقتصادية، كذلك التعاون الثقافي والاجتماعي وأيضاً التعاون العسكري، هذه كلها النقاط التي شكلها الحديث من قبل الرئيسين، وكما أشرت فإن الاتفاق كان شاملاً وفي كافة المجالات. بعد انفصال السودان إلى دولتين، شمالي وجنوبي تأثر الاقتصاد في الشمال بعد ذهاب مجمل عائدات البترول للجنوب.. فهل من دعم مباشر للاقتصاد في الشمال من جانبكم؟ - أنا لا أتحدث عن مساعدات، بل عن تعاون، وأريد أن أؤكد على هذه النقطة، فإن التعاون الذي يمكن أن يتكامل فيما بين البلدين هو كفيل بأن يحرك المجالات الإيجابية القيمة والموجودة أساساً في السودان، والسودان الحمد لله به نعم كثيرة وفرها الله له، هذا النيل العظيم وهذه السواعد القادرة والمتوكلة على الله هي ثرية وغنية، فتكون هذه البركة الإلهية مصدراً للرزق الطيب والحلال لأبناء هذا البلد، نحن لدينا الكثير للتعاون في إطاره وإن شاء الله سوف يثمر هذا التعاون خيراً وبركة على البلدين. هل لإيران استثمارات في السودان خاصة وأن السودان فتح أبوابه للاستثمار في كافة المجالات؟ - هناك مساعٍ حثيثة من أجل تعريف السوق الاستثماري للبلدين للمستثمرين من الجانبين، ومن خلال الاستثمارات سوف نفتح مجالات جديدة، فنحن نريد من خلال تعاوننا مع السودان نقل التقنية والتقانة إلى جانب استثمار الموارد المتاحة، فنحن نشجع ونعمل وهناك زيارات مرتبة قريباً لأجل هذا الغرض هدفها تطوير التعاون المشترك الاستثماري والإنمائي والتعاون الاقتصادي، وهذه الزيارات سوف تتم في وقت قريب وسوف تتبع تلك الزيارات خطوات تنفيذية حقيقية تصب في مصلحة البلدين. كيف تنظر لما يجري على الساحة السياسية بمنطقة الشرق وما جرى من تغيير لبعض الحكام العرب.. وكيف تنظرون للتحديات التي تواجه المنطقة؟ - الحقيقة الأمة بخير والتحديات والتطورات التي شهدتها المنطقة قصد بها خير، نحن نرى أن الأمة الإسلامية أمة خير وعطاء، وأمة سلام وتعاون، فالأمة الإسلامية لديها موقع جغرافي مهم وطاقات بشرية طيبة وقوية وثروات طبيعية، وهذه الأمة تأخرت، والكثير يرى أن السبب في ذلك التعاون المجحف للاستعمار واعقبوه بتعامل غير مناسب من قبل الحكام، بالإضافة إلى زرع جرثومة وورم سرطاني بالمنطقة وهي الكيان الصهيوني، وشعوب المنطقة لا ترضخ للواقع الذي فرض عليها، هذه الثورات جميعها هدفها التحرر من الأجنبي، فمن الذي يقبل الذل من أمريكا والصهيونية العالمية والوقوف أمام الكيان الصهيوني الذي أهلك الناس والقدرات الموجودة في هذه المنطقة، فهذه الشعوب ثارت من أجل أن تخلق لنفسها حياة كريمة وعزيزة، وحياة يشعر الإنسان المسلم من خلالها بالحرية التي يؤمن بها. ولكن الثورة التي اندلعت في سوريا يقال إنكم من يقفون إلى جانبها؟ - نعم نقول هذا بوضوح، وهذا التوجه هو الذي يقف ضد الصهيونية ونرى في سوريا حكومة تدعم المقاومة ولها موقف قوي ودائم ومعادي لإسرائيل، نحن نريد أن تكون هذه الحكومة على وفاق ووئام مع بقية الجهات الناشطة في الساحة، ونطالب الجهات الناشطة في الساحة أن تتوجه إلى طاولة المفاوضات وأن تعقد تفاهماً مع الحكومة وأن تصل كل الجهات في سوريا إلى وفاق، ويجب ألا يسمح لأية جهة خارجية التدخل في الشأن السوري، نريد أن يتحقق الوئام بناءً على ثوابت تلتزم بها كل الأطراف، ولا نشك أن هذه الثوابت لمصحلة الأمة. ظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية في مواجهة مع إيران منذ قيام الثورة في 1979م، فلماذا كل هذا العداء الأمريكي لإيران؟.. وكيف تتصدون له؟ - نحن لا نسمي أمريكا عدواً، نحن ضد الاستكبار العالمي وضد قوى الهيمنة العالمية التي تريد أن تفرض نفسها وصية على مصائر الشعوب ومقدراتهم، نحن نرى في أمريكا وفي السياسة التي تتبعها الإدارات الأمريكية سياسات أسيرة بيد هذه القوى وأسيرة بيد الصهيونية العالمية، ولهذا نقف ضد السياسات والنهج الذي تتخذه الحكومة الأمريكية ونتصدى لها، فنحن لا نخاف لأننا على حق. ولماذا تخاف أمريكا من إيران؟ - تخاف أمريكا من إيران لأنها ليست على حق، فالإدارة الأمريكية تخاف لأنها سوف تفضح بأنها اتخذت قرارات لا تتماشى ولا تتطابق مع مصالح الشعب الأمريكي، وعلى سبيل المثال آخر مقالات سمعت من أوباما قال إن إسرائيل خط أحمر لأمريكا، وهذا لا يتماشى مع مصالح الشعب الأمريكي، فالأمة الإيرانية تلتقي وحكامها لأنها تنتمي إلى هوية مشتركة وإيمان مشترك، أما الحكومة الأمريكية والإدارة الأمريكية لا تتماشى مع هوية الشعب الأمريكي. هل ما حدث من اضطرابات في إيران من المعارضة مؤخراً كان بواسطة أمريكا؟ - هذه محتاجة إلى التفصيل، ولكن أقول بصراحة نعم حاولوا أن يحركوا ويحرضوا ودفعوا أموالاً بواسطة جهات أخرى تابعة، وكانوا يريدون أن ينفذوا مثل هذا في إيران ولكن فشلت المؤامرة وبقيّ العار لديهم. هل المفاعل الإيراني يعد أحد مخاوف أمريكا.. وإلى أين وصل العمل فيه؟ - لا شك أن المفاعل النووي الإيراني سلمي، فنحن لدينا مفاعلات وليس واحداً، أقول إن أمريكا لا تخاف وإنما تريد أن تهضم حقنا في التقنية النووية، وهي ذات استخدامات متعددة كثيرة ومهمة وهي من حقنا أن نتمتع بها، فالتقنية النووية أصبحت داخلية، وفي إطار الأمة الإيرانية لدينا كل ما نحتاجه لصالح البشرية والمصالح التي نريدها الاستخدامات النووية في المجالات الصحية وفي مجالات الطاقة وفي مجالات مختلفة، نحن دخلنا كل هذه المجالات من أجل مصلحة إيران، فالموقف الأمريكي يعتقد أنه جهة فوقية تستطيع أن تفرض ما تشاء وتعطي من تشاء وتأخذ ممن تشاء، فنحن لا نقبل بمثل هذه المواقف التي أكل عليها الدهر وشرب.. هناك مفاعل بوشهر تم تشغيله مؤخراً لتوليد الطاقة الكهربائية، هذا المفاعل ينتج ألف ميقاواط من الكهرباء وتم توصيله بالشبكة الكهربائية الوطنية وهذه هي البداية، ولدينا عشرون ألف ميقاواط في الخطة الخمسية القادمة.. وسوف تستمر الدراسات التي تتم في مجال الفضاء، نحن قمنا بإنتاج صواريخ متقدمة تحمل الأقمار الصناعية وأرسلنا قمراً صناعياً للتحقيق وأرسلنا آخر وهذا العمل سوف يستمر وبنهاية عام 2024م سوف نرسل الإنسان للفضاء الخارجي. جرت مؤخراً اضطرابات في البحرين.. فلماذا تشير أصابع الاتهام إليكم؟ - في البحرين هناك مشاركة شعبية ومطالبة شعبية بأشياء وحقوق أساسية، فالشعب البحريني له مطالب واضحة فإما أن يزج باسم إيران في هذه المطالبات أو تعلق بعدم الاستجابة لهذه المطالب على الشماعة الإيرانية، فهذا غير صحيح وغير مقبول.. فيجب أن يكون هناك إشراك للأغلبية في البحرين، والشعب البحريني له الحق في المطالبة بحقوقه، وعلى الحكومة البحرينية أن تتفق معه وهذا ما نريده وما نتمناه، أما بقية الادعاءات التي تقول بالتدخل الإيراني، فهذا غير صحيح، بل إن الوجود السعودي في البحرين مرفوض، وأن تزج بقوات أجنبية ضد الشعب مرفوض أيضاً. كيف تنظر للعلاقات الإيرانية مع دول الجوار؟ - علاقات إيران مع كل البلدان العربية تنبع من الإيمان المشترك والانتماء المشترك وتوجهها هو تنمية العلاقات مع كل الأطراف، ونحن لدينا علاقات جيدة مع كل البلدان العربية، فإذا كان هناك صدود أو وقفات من الجانب الآخر فنحن لدينا تساؤل لماذا؟.. فأقول من الجانب الإيراني المبدأ الأساسي أي نوع من التعاون لصالح البلدين ولصالح أي من الشعبين، هذا التوجه ثابت من قبل إيران وكل العلاقات التي بنيناها مع كل البلدان علاقات مميزة وفيها خير وبركة.. فنحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة ولن نكرر الأساليب التي تستخدمها بعض الدول للهيمنة على الدول الأخرى. هل تعتمد إيران على عائدات البترول في اقتصادها، أم أن هناك موارد أخرى؟ - لإيران منتجات مختلفة، نحن لا نعتمد على البترول فقط، فعلى سبيل المثال نحن ننتج عشرين مليون طن في السنة من الحديد وإنتاجنا من الصناعات المتقدمة أصبحت من المردودات في إيران، والمردودات التي تأتينا من إنتاج الأدوية أصبحت كبيرة وكذلك من الصناعات الالكترونية، ونحن ننتج مليون سيارة في العام. هل تم الاتفاق بينكم والسودان في هذا المجال؟ - نحن ندعم أي نوع من التعاون بين البلدين يقوم على أسس تجارية وفيه مصلحة للجانبين، فنحن على استعداد أن ننتج سيارات في السودان وهذا المشروع تم طرق الباب فيه وما زال الباب مفتوحاً. كيف تنظر إلى الاقتصاد الإيراني الآن؟ - الاقتصاد الإيراني الآن يعد من ضمن الاقتصاديات العشرين الأوائل في العالم، ولإيران أكبر مخزون من الغاز، فيبلغ الإنتاج الإيراني تريليون متر مربع تقريباً، ويستخدم جزء كبير منه في الصناعات الداخلية والاستهلاك المحلي داخل إيران، ونستهلك يومياً خمسمائة مليون متر مكعب من الغاز، ونصدر ما يقارب نفس الكمية. وفي المجال الزراعي ننتج مليون طن من المخرجات الزراعية التي تكفي البلاد ذاتياً، وتنتج إيران ما قيمته مليار دولار من الفستق، يصدر منه ما قيمته 600 مليون دولار، وننتج ما قيمته سبعة مليارات دولار من السجاد، نصدر ما يقارب الأربعة مليارات دولار. كم عدد السكان في إيران حالياً؟ - تعداد سكان إيران الآن خمسة وسبعون مليون نسمة، وتبلغ المساحة مليون وستمائة ألف كيلو متر مربع.