نعم.. أنتم تعلمون أحبتي... وأصدقائي... إني قد نذرت للرحمن وعداً... أن لا أشغلكم بالشأن الخاص أبداً... هذه الزاوية.. أو المساحة... هي ملك مشاع... وفكر مطلق... لوطني.. ولأبناء شعبي.. واليوم أكتب شأناً عاماً... ولكن لا بأس إن كانت مقدمته تنضح بالخاص... وتطفح بالشخصي... وذلك لزوم المدخل... أو أخذ أنفاسي وأنا في «الدهليز»... حتى أقتحم خلوة.. الصديق عوض الكريم موسى عبد اللطيف.. وعوض الكريم موسى... هو زميلي في مدرسة أم درمان الأميرية الوسطى... لأربعة أعوام حسوماً.. كان أول الدفعة.. ليست الدفعة هي فصلنا.. بل أول.. حتى الفصل الآخر.. والشهادة لله.. فقد كان الرجل... نابغة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى... كان هو الأول من أولى.. إلى ثانية.. ومن ثانية.. إلى ثالثة ومن ثالثة إلى رابعة.. بل كان الفرق.. والمساحة التي تفصلنا منه نحن زملاءه في نفس الفصل... هي المساحة... بين الترف والقرف... بين الأبيض والأسود.. بين الذي يعرف.. وذاك الذي هو كالطوبة، أو كانت المساحة أو الدرجات التي تفصله هو الأول عن الثاني.. تكفي درجاتها إلى إنجاح.. أولئك الذين يقبعون في قاع النتيجة... ثم تفرّقت بنا طرقات وسبل ومعترك الحياة.. حتى وجدته... ونحن في شرخ الشباب.. جمهورياً عتيداً وعنيداً.. مثقفاً وذكياً... وكان لابد للرجل.. أن يكون جمهورياً.. فقد استوعب الرجل بعقله الخرافي.. نظريات الأستاذ محمود... فاستقرت في سويداء فؤاده.. استقراراً.. مطمئناً... واثقاً... ومرة أخرى.. ولأبرهن لكم عن عبقريته.. «وفهمه» المتقدّم.. بالنسبة لعقولنا.. المسكينة.. فقد قرأت أنا عشرات الكتب.. كتب الأحبة للجمهوريين.. واستعصى عليّ فهمها... ليس لقصور فيها.. بل أظن «لبلادة وضيق في فهمي» البائس... المهم.. لم أسمع عن الرجل مرة أخرى.. إلا.. فضاء الوطن... وموجات أثيره.. وفضائيته.. وإذاعة.. تنبئنا أن الرجل.. قد صار خبيراً إستراتيجياً.. وأين.. في أعلى بقعة في طول البلاد وعرضها في القصر الجمهوري.. وتمام.. من كدّ وجد... وإلى هنا تنتهي سيرة الرجل.. لندخل في الشأن العام... ندخل مباشرة... مقتحمين... حياضه... متسورين... قلاعه... ونحن ننشد... بل نهدر هتافاً راعداً... إذا الملك الجبّار صعّر خده.. مشينا إليه بالسيوق نعاتبه.. ورغم هول.. المعركة.. وشراسة النزال.. إلا أننا.. ولسماحة في نفوسنا.. لا نخوض معه المعركة وفي أيدنا رشاش في أيدنا خنجر.. بل مدفعيتنا.. هي هذا القلم المسكين... البائس زهيد الثمن الذي لا يتعدى... خمسين قرشاً وذخيرتنا.. هي المداد.. داخل تجاويف ذاك أو هذا القلم.. فالرجل.. ما فتىء.. يمطرنا بنيران كثيفة... وينتاشنا بسهام مدببة.. ويجرحنا بسيوف مهندة... ولكن عبر صفحات الصحف.. مستخدماً نفس السلاح... سلاح المداد.. والقلم.. والكلمة.. لذا دعوني.. أشمّر ساعدي.. لأبدأ المعركة.. ولا يظن أحد منكم.. أنّ معركتي هي.. هزات ارتدادية.. بعد زلزال مع صلاح إدريس.. وتلك التركة أو الورثة فهذا أمر لا يعنيني.. في كثير أو قليل.. بل لا ناقة لي فيه ولا جمل.. وأظنكم أحبتي أنتم مثلي تماماً.. لعل الدهشة قد اجتاحتكم.. والذهول قد ظلل سماء حياتكم.. وأنتم تقرأون وتضربون كفاً بكف.. وشأن خاص... جداً.. جداً.. يأخذ مكاناً.. في صحفكم... ثم تنهض.. في عقولكم.. ألغاز الطلاسم... أما أنا... فلست مثل إيليا أبو ماضي.. الذي لم يعرف الإجابة عن أي سؤال... فقد أجبت عن الأسئلة التي أرهقت عقولكم.. من «نوع».. ما دخل الأمن والمخابرات وبنك السودان.. وتخريب الاقتصاد الوطني... في موضوع «إرث» ساقه الله حسب نصوص الشرع إلى الورثة.. وأيضاً من «نوع» هل.. الاتّفاق.. مع الوكيل.. حلال أم حرام.. وصلت إلى النتيجة.. وهي أن الرجل.. إنّما يعني أهدافاً بعيدة ومرامي.. لا يدركها «قصار» النظر والعقول أمثالنا.. الرجل أراد التأكد والتوكيد... للأحبة صانعي القرار في هذا الوطن.. إنه هنا.. وإنه لا يقبل مليماً أحمر... يدخل جيبه وفيه شبهة.. حرام... يعني... لا بقية الوراث ولا صلاح ولا نحن معنيين بهذا السيل الذي تدفّق... على الصفحات معلناً عن ورثة.. وتارك ورثة.. ووراث... فكم كم من تركات.. وأموال تئن من ثقلها ذاكرة الحاسوب.. مرت.. مرور السحابة لا ريث ولا عجل... ولم يسمع بها أحد.. غير معني بها مطلقاً ما رأيكم.. هل مازلت.. في الشأن العام... راجعوا سطوري الأخيرة.. لتعرفوا... أنني في قلب الشأن العام... لم أبارح.. دياره.. ببوصة واحدة.. غداً.. نتحدث عن الذي أثار هذا الغبار... وأهاج كل هذا الجدل.. ونحن نرد.. على مقال.. الأستاذ عوض الكريم أمس الأول.. بعنوان.. المعارضة المسؤول الأول.. عن خيار الانفصال...