لقد تميز المسلمون بنجدة الضعيف وغوث الملهوف منذ عصر البعثة المحمدية، شأنه شأن العبادات القاصدة التي يبتغي من ورائها المسلم مرضاة الله عز وجل، الأمر الذي أكسب الجبلة الإنسانية وعاطفة التناصر والتعاون عند بني البشر، أكسبها بعداً عقدياً وأخلاقياً عظيماً. أقبل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على قيمة التكافل إستجابة لأمر الله تعالى عليهم وتلبية لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالانفاق في سبيل الله ووقف الأموال على أوجه البر المختلفة حتى صارت هذه الخصال شامة في جبين الأمة، يقول تعالى: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم»، وأيضاً قوله تعالى: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم». وتضافرت السنة العملية والتقريرية على ذلك.. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». لقد ساهمت صدقات المسلمين وأموالهم الموقوفة لعمل الخير والتكافل الاجتماعي.. في رعاية الأيتام والعجزة والمعاقين وضحايا الحروب والكوارث الطبيعية، كما ساهمت في بناء المشافي ورعاية الأمومة والطفولة، وامتد فضل ذلك ليشمل العناية بعلاج الحيوان أيضاً. كما شمل وقف الأموال بناء ورعاية المؤسسات التعليمية وطلاب المدارس وطباعة الكتب والإنارة وتعبيد الطرق وآبار المياه وتشييد الأسواق ودعم مرافق الاقتصاد والاستثمار، مما ساعد في نهضة مجتمع المسلمين وعون الآخرين. إن مؤسسات التكافل والوقف في العهود الإسلامية الزاهرة كانت تقوم بأدوار كبيرة كالتي تضطلع بها الوزارات والهيئات في عصرنا الحديث. لقد ضرب بعض الصحابة أروع الأمثال في بذل المال في سبيل الله، فقد كان أبو بكر الصديق يأتي بماله كله في سبيل الله فيقول له النبي ماذا أبقيت لأهلك؟.. قال أبقيت لهم الله ورسوله. وهذا عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة كاملاً من ماله رضي الله عنه، ويوزع سيدنا عبد الرحمن بن عوف سبعمائة (700)، راحلة على أهل المدينة وما حولها ويوصي عند موته بأربعمائة (400)، دينار لكل من بقي حياً من شهداء بدر. لقد اجتهدت المجتمعات الغربية في تقليد المسلمين في ذلك فأنشأت المنظمات الطوعية غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني التي خصصت في أنشطة إنسانية محددة في أزمنة الكوارث الإنسانية والفيضانات والنزوح واللجوء الناتجين عن الظروف الطبيعية أو بسبب الحروبات والصراعات. تكمن مشاكل منظمات العمل الإنساني الغربية في غياب النوايا الحسنة وتغليب الأغراض والأهداف الأيدولوجية والاستعمارية واستبطان نوايا الهيمنة والاستعلاء، فضلاً عن قيام وإسهام هذه المؤسسيات والمنظمات الغربية في إثارة الفتن وصناعة الأزمات وخلقها ابتداءً والنفخ في مستصغر الشرر حتى يغدو حريقاً مدمراً، لتأتي هذه المرة في ثوب النجدة والمساعدة!! إن المنظمات الدولية بما فيها الأممالمتحدة والمنظمات الإنسانية الغربية، لم تعد عند النظام الاستعماري الجديد ذات جدوى، إذا تضارب نشاطها مع الهيمنة والأغراض الاستعمارية خصوصاً في المنطقة العربية والإسلامية. إن الموقف في الخطاب الغربي في تناول (مصطلح الإرهاب)، يلمس اللهجة الشرسة على الإسلام والمسلمين.. فقوائم الإرهابيين عندهم إسلامية، والأموال المستخدمة إسلامية، والمنظمات التي تمثل حلقة الوصل في العملية الارهابية أيضاً إسلامية، ويرون أنها تتخذ من العمل الخيري الإسلامي ستاراً لمزاولة الأنشطة الإرهابية. إن الدول الإسلامية التي تبدي أي شكل من أشكال التعاطف، هي دول إرهابية ومن ثم ينبغي خضوعها للمقصلة العقابية بمجرد الاشتباه!! لقد تم تكثيف الحملات على العمل الخيري الإسلامي بصورة جريئة وقاسية وقد سبقتها دراسات متعمقة للقطاع الخيري الإسلامي وقد أدرك المستعمرون الجدد الدور التكافلي العظيم الذي يمارسه هذا القطاع في دعم تكاتف المسلمين ونشر العقيدة في المناطق النائية والفقيرة، فضلاً عن تقديم العون للفقراء والمحتاجين على مستوى دول العالم ابتغاء الأجر عند الله تعالى دون انتظار أي تنازلات من الطرف المعادي أو التعويل على أجندة خفية على النحو الذي تقوم به المنظمات والجمعيات الطوعية الغربية. إن الزكاة تشكل مصدراً رئيسياً من مصادر التمويل في بلدان الخليج، وقد اكتسبت اللجان التي تقوم بجمع هذه الأموال وتحويلها إلى المنظمات التي تتولى توزيعها على الأوجه الشرعية، قد اكتسبت هذه اللجان خبرات عالية هائلة مما جعل منظري النظام العالمي الاستعماري الجديد يحملون دول العالم على استحداث التدابير والتشريعات لمكافحة «الإرهاب» والتي تناولت بصورة مكشوفة تجميد ومصادرة الأرصدة والممتلكات المخصصة للعمل الخيري بذرائع وحجج أهما أن هذه الأموال تستخدم في تمويل «الإرهاب» والمنظمات الإرهابية المدرجة في القوائم السنوية عندهم، والتي هي في الواقع واجهات للمقاومة الإسلامية المشروعة أو وسائط للعمل الإنساني المبرور. إن أخطر الأهداف الخبيثة من وراء حملات تقزيم العمل الخيري الإسلامي تظهر من خلال شغل الفراغ الاجتماعي والإنساني الذي يحتاج إلى معالجة في غياب المنظمات الإسلامية، فتدخل منظمات المجتمع الغربي العلمانية لنشر الانحلال في المجتمعات وبذر المباديء النفعية، فضلاً عن تحقيق الأهداف المخابراتية والتنصيرية لتمارس أنشطتها وأهدافها المرسومة.