ترجمة لمقال الكاتب قديون راشمان- فاينانشيال تايمز إلتقى كاتب المقال مؤخراً بديبلوماسى بريطانى متقاعد إدعى بفخر أنه أدخل مصطلح إدارة الإنهيار ليصف المهمة الرئيسة للسياسة الخارجية البريطانية بعد العام 1945م ويقول إن الآخرين إنتقدوه ولكنه يحسب أن ذلك هو الوصف الصحيح لحال بريطانيا وقتها وأنهم قد قاموا بالمهمة على أتم وجه. لايجرؤ ديبلوماس أمريكى معاصر دع عنك سياسى أمريكى على المغامرة بالتفوه بمصطلح مماثل لما إبتدعه ذلك الديبلوماسى البريطانى المتقاعد وإن فعل فسيعد ذلك عاراً. ولو أنه كان بوسع أمريكا الإقرار بأن سلطتها العالمية آخذة فى الإنهيار لكان من السهل إدارة حوار موضوعى حول إدارة ذلك الإنهيار وعلى كلٍ فإن الإنكار ليس إستراتيجية. ذكر الرئيس الأمريكى باراك اوباما أن هدفه هو التأكيد على أن تظل أمريكا القوة رقم واحد فى العالم ورغم ذلك يدمغه خصومه بأنه إنهيارى وتراجعى وقد إتهمه شارلز كروثومر أحد كتاب الأعمدة من المحافظين بتبنى الضعف الأمريكى ويقول هذا الكاتب إن الإنهيار ليس حالةً ولكن الإنهيار خيار. لاينحصر الرفض الصارم لفكرة الإنهيار الأمريكى عند اليمين ولكن بعض مثقفى أمريكا يرفض الفكرة بصرامة ومنهم جوزيف نى البروفيسور بجامعة هارفارد ومحلل السياسة الخارجية الأمريكية والذى يعتبر الحديث عن الإنهيار الأمريكى ترف مثقفين ويقارن ذلك بالهوس الذى ساد فى حقبة فائتة من أن اليابان قد إستولت على أمريكا وأما توماس فريدمان أحد كتاب أعمدة صحيفة نيويورك تايمز فقد اصدر كتاباً له بعنوان جانبى ماذا دهى أمريكا وكيف يمكن تصحيح هذا الوضع. من الأشياء غير المسموح بتداولها فى حوار التيار العام الإيحاء بأنه لاسبيل للعودة وتصحيح الوضع وأن إنهيار أمريكا ليس بدعةً ولاخياراً ولكنه واقع. من الإقرارات أيضاً أن إنهيار امريكا النسبى لن يكون مفاجئاً بالحدة التى وقع بها الإنهيار الذى عاشته بريطانيا العظمى عقب عام 1945م إذ لاتزال الولاياتالمتحدةالأمريكية هى صاحبة الإقتصاد الأكبر فى العالم والمتفوقة عسكرياً وديبلوماسياً وعلى كلٍ فإن اللحظة التى ستصبح فيها الصين القوة الإقتصادية الأكبر فى العالم تلوح فى الأفق ويبدو أن نهاية هذه العشرية ستكون هى تلك اللحظة. وبالطبع فإن للصين مشكلاتها الإقتصادية والسياسية ولكن حقيقة أن تعداد الصين يفوق تعداد أمريكا باربع مرات فإن هذا يعنى أنه حتى مع إعطاء هامش للإبطاء الحاد فى النمو الإقتصادى الصينى فإن الصين ستصبح رقم واحد إقتصادياً ولكن حتى بعد التسليم بتراجع هيمنة أمريكا الإقتصادية فإن القوة الأمريكية العسكرية والديبلوماسية والثقافية والتكنولوجية ستؤمن لأمريكا السيطرة لحين. وبالرغم من أن القوة الإقتصادية والعسكرية ليست شيئاً واحداً إلا أنهما متداخلتان بشكل كثيف. وبينما يصعد نجم الصين وقوى أخرى إقتصادياً فإن ذلك سيحد حتماً من قدرة أمريكا على الهيمنة على العالم وهذا هو السبب فى حاجة أمريكا لإيجاد حوار عقلانى حول إنهيارها النسبى ومعرفة الوسائل والأسباب التى تجعل من تجربة بريطانيا العظمى فى الإنهيار وإدارتها لذلك الإنهيار تجربة تحمل فى طياتها دروساً قيمة.مما إكتشفته بريطانيا عقب العام 1945م أن الإنهيار والتراجع فى القوة القومية يتسق تماماً مع تحسن مستوى معيشة الفرد العادى والحفاظ على الأمن القومى وأن الإنهيار والتراجع لايعنيان بالضرورة نهاية السلام والطمأنينة والرفاه ولكنهما يعنينان صنع الخيارات والأحلاف وفى حقبة العجز المالى الضخم وإطراد نمو الصين فإنه يتعين على الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تفكر بصورة جادة فى أولوياتها وقد أصرت هيلارى كلينتون الأسبوع الفائت على أن أمريكا ستظل القوة الرئيسية فى آسيا على الرغم من تبعات الإنفاق العسكرى. ولكن ماذا يعنى ذلك بالنسبة للإنفاق داخلياً؟ يبدو أن القليل من السياسيين الأمريكيين على إستعداد لمناقشة ذلك البعد وبدلاً عن ذلك فإن الجمهوريين على وجه الخصوص ينكفؤن على شعاراتٍ تدغدغ مشاعرهم القومية وتحوم حول عظمة أمريكا.إن الذين يرفضون الخوض فى إنهيار أمريكا يغامرون بالإسراع فى وقوع ذلك الإنهيار ولكن الإقرار الواقعى بان وضع أمريكا فى العالم مهدد ينبغى أن يكون حافزاً لعقد العزم على إتخاذ إجراءات محددة فى كل شئ من إصلاح التعليم إلى العجز فى الموازنة.يعكس الإنهماك السياسى غير المحدود فى واشنطن شعوراً بالرضا عن الذات وقناعةً بأن موقف أمريكا كقوةٍ أولى أمر يصعب تحديه وإختراقه ويشكل هذا حلقات من التسامح واللين مع الذات مثلما حدث فى هذا الصيف مما أوشك أن يشكل عجزاً فى ميزانية الولاياتالمتحدةالأمريكية. إن الفشل فى خلق نقاش حول الإنهيار والتراجع النسبى يشكل مخاطرةً تتمثل فى ترك الرأى العام الأمريكى وهو غير مهيأ لحقبةٍ جديدة وسيترتب على ذلك ردة فعل عامة تشكل إنتكاسةً داخلية وخارجية ومن المحتمل أن تكون ردة الفعل غاضبة وغير عقلانية على غرار ما اشتهر المؤرخ رتشارد هوفستدار بتسميته ردة الفعل الأمريكى المتسمة بجنون العظمة والإرتياب لهذا فإن إدارة الإنهيار والتراجع أقرب لعلم النفس منه للسياسة والإقتصاد.سهل وهج الإنتصار عقب الحرب العالمية الثانية على بريطانيا إدارة إنهيارها ومنحها قدرةً على التكيف والإصلاح وقتها أن القطب المهيمن والنجم الساطع كان أمريكا وهى بلد مشدودة لبريطانيا بعامل اللغة والدم وتشارك بريطانيا فكرها السياسى - ولكن الأمر سيكون صعباً وقاسياً على أمريكا أن تتراجع عن ريادتها للصين رغم أن الإنتقال سيكون أقل ترويعاً مما واجهته بريطانيا. لقد إعتاد البريطانيون هذه الأيام على الإبتهاج بالفشل وهم يشترون مجلدات بعناوين مثل كتاب الفشل البطولى بأعداد كبيرة ومن المعتاد على مشجعى فريق الكرة المهزوم فى بريطانيا . لقد إعتاد البريطانيون هذه الأيام على الإبتهاج بالفشل وهم يشترون مجلدات بعناوين مثل كتاب الفشل البطولى بأعداد كبيرة ومن المعتاد على مشجعى فريق الكرة المهزوم فى بريطانيا أن يصيحوا نحن (براز) وحقيرون ونعلم أننا كذلك وهذه عادة لم تتمكن بعد من الأمريكان ولكن عندما يقتضى الأمر إدارة الإنهيار فإن إذلال الذات وتحقيرها يصبح خياراً. ü د. و أستاذ مشارك - كلية القانون جامعة الخرطوم نقيب المحامين