يظل الحدث الأبرز في قضايا الوطن مسيرة السلام في دارفور، فالمشكلة هي الأكثر تعقيداً ومرت بمحطات مفاوضات واتفاقيات متعددة، وحظيت بتدخلات إقليمية ودولية متفردة.. ووصول قيادات حركة التحرير والعدالة بقيادة الدكتور السيسي بعد التوقيع على وثيقة الدوحة للسلام في دارفور والاتفاق مع الحكومة عبر بروتكول الشراكة السياسية والترتبيات الأمنية، تعد المحطة البارزة من محطات مسيرة السلام لعدد من الأسباب سبق وأن تناولناها في هذه الصفحة بأكثر من مقال. إن موضوعنا في هذه المسألة محاولة الإستجابة لطرح عدد من الأسئلة الملحة التي تلقي الإجابة عليها بعضاً من ملامح مستقبل السلام في دارفور، وتتمحور هذه الأسئلة في الأحداث والمواقف التي برزت بوصول وفد المقدمة لحركة التحرير والعدالة بقيادة عبد الشافي، ووصول الوفد الرئاسي بمعية الوفد القطري وطواف الوفدين بولايات دارفور. إن سؤالنا الأول ودون الأخذ بالتفاصيل هو: هل تحقق هذه الوثيقة السلام في دارفور؟ لقد أجمع أهل دارفور في أكثر من محفل وبمختلف الشرائح والفئات، على أن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور حققت نظرياً، مكاسب لأهل دارفور، وذلك بمخاطبتها لقضايا الإقليم السياسية والتنموية مع المركز، والوثيقة لا تمثل اتفاقاً بين حركة حاملة للسلاح، وبين الحكومة، بينما البروتكول الخاص بالمشاركة في السلطة وترتيبات قوات الحركات مثل معالجة لأوضاع الطرف الموقع على الوثيقة، في هذا الجانب وباختصار فهناك من يسعى للتقليل من قيمة الوثيقة من خلال الإدعاء بأنها صناعة حكومية (المؤتمر الوطني)، وأن حركة التحرير والعدالة صناعة حكومية من رئيسها حتى قيادات فصائلها، ومثالنا التصريح الذي أدلى به أحد قيادات المؤتمر الشعبي من أبناء دارفور بأن التجاني السيسي اجتمع مع رئيس المؤتمر الوطني اجتماعاً سرياً قبل التوقيع على الوثيقة والاتفاق، وقد وجد التصريح بصحيفة رأي الشعب رواجاً في أوساط أهل دارفور، إذ يلمح صاحبه إلى صناعة الحكومة لرئيس الحركة إن المعلومات التي تحصل عليها القيادي لاجتماع سري لا نملك نحن الوسيلة للتحقق منها، فهو اجتماع (سري)، وإذا حدث مثل هذا الاجتماع فليس غريباً ولا يقدح في صدقية الحركة وقيادتها في الإنحياز لقضايا دارفور، فقيادات الأحزاب المعارضة في الداخل والخارج تجتمع مع رئيس المؤتمر الوطني في السر والعلن، وفي موضوع ذي صلة نذكر اجتماع الدكتور الترابي إبان سيطرته على مقاليد الحكم، مع الإمام الصادق المهدي المعارض المسلح بالتجمع الوطني الديمقراطي، فليس هذا غريباً والأمثلة كثيرة لمن أراد الوصول إلى أهدافه عبر الحوار. نخلص إلى أن الإدعاء بأن الوثيقة صفقة شخصية بين قيادي الحركة والمؤتمر الوطني مردود، فالشواهد في الإختلاف في المفاوضات وأطروحات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة مثلت الرأي العام الغالب. أما السؤال الثاني والذي يرتبط ببنية الحركة ومدى الثقة فيها ومدى تحقيقها لتطلعات أهل دارفور.. قراءة تجربة السلطة الانتقالية التنفيذية في أبوجا كانت بكل المعايير تجربة محبطة، جمعت السلطة فصائل ملتحقة بأبوجا ومشاركة في السلطة تكونت مفوضيات السلطة وأمانتها من أصحاب خبرات متواضعة في الخدمة المدنية وإدارة العمل العام، وأصبحت السلطة للرعاية الاجتماعية.إن ثقة المواطن في حركة التحرير والعدالة مرتبطة بحقيقة الشعار الذي رفعته الحركة وظل رئيسها يردده في المحافل العامة أن الوثيقة والاتفاقية لكل أهل دارفور وليست للحركة أو الحركات الأخرى عند توقيعها، وأن السلطة ليست غنيمة حرب للمقاتلين من عضوية الحركة، وأن عناصر الكفاءة والإخلاص والأمانة مقدمة على الإنتماءات العرقية والأثنية. أما في جانب بنية حركة التحرير والعدالة ومدى تماسك قياداتها وفصائلها المندمجة، ففي هذا الجانب يبرز التحدي الأكبر لقيادات الحركة ونضجهم، فالمعلوم أن الحركة تكونت من عدد من الحركات المنشقة عن أصولها وتحمل الفصائل مكونات فكرية متباينة من العلمانية والمدرسة الإسلامية والاشتراكية، أيضاً الانشقاقات التي تمت من الحركات الأم حملت سمات أثنية ومناطقية للمنشقين مما ينبيء بإضعاف بنية الحركة، ومع الأسف أن الإرهاصات والظواهر أطلت برأسها مع وفد المقدمة، وتعدد لجان الاستقبال الشعبية وتدخلات رئيس الوفد في استصدار قرارات تفرق بين اللجنتين الكبيرتين، أيضاً في استقبال الوفد الرئاسي فمن المعلوم أن رئيس الحركة يمثل رمزيتها وتماسكها وظهرت على الشوارع الرئيسية وفي الاستقبال صور أكبر وأكثر وأوسع إنتشاراً من صور رئيس الحركة، وحملت اللافتات صوراً بارزة للترحيب ببعض نواب وقيادات الحركة، وهنا يكمن التحدي كما أشرنا في مدى استطاعة قيادات الحركة إدراك التوحد الإندماجي لمصلحة العمل، وحتى لا تلوح في الأفق انشقاقات وصراعات بدأها فصيل أبونموشة. أما السؤال الثالث هو حول مدى التعاون بين السلطة الإقليمية وحزب المؤتمر الوطني الشريك في الاتفاقية، وهل يمكن تلافي المشاكسات والحردان الذي حدث مع حركة الجنوب ودفع برئيس السلطة التنفيذية وكبير مساعدي رئيس الجمهورية مني أركو للخروج والعودة مرة أخرى إلى صفوف التمرد خاصة أن السلطة الإقليمية ستكون مقرها ولايات دارفور ومن الولاة من جاهروا برفضها وتفننوا في إضعاف استقبال قياداتها.. الإجابة عن هذا السؤال والأسئلة الأخرى في المقال القادم. ولله الحمد