وصلاً لما قلته في الحلقة السابقة بلغة الإذاعيين أو في مقالاتي السابقة عن صور التواصل والتمازج القومي بين السودانيين في وطننا السمح الجميل السودان.. وأنه قد ضم بجناحه العطوف الوريف كل أبنائه على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم في محبة وتسامح ووداد.. أزعم أنني طوال حياتي وفي كافة مدن وقرى السودان التي عشت لم أسمع مواطناً يسأل مواطناً عن دينه أو عقيدته أو مذهبه أو طائفته ليتعامل معه على هذا الأساس.. بل تربط بين الناس جميعاً روابط المواطنة الحقة التي هي الرباط الحقيقي بين أهل السودان ومن يفد إليهم من مشارق الأرض ومغاربها. وإذا أردنا أن نأخذ نماذج من أهل السودان في كل الملل والأديان والطوائف فنجد أشقاءنا المسيحيين ولا أعني بهم الأقباط فهؤلاء أسياد بلد ومن أبناء السودان منذ أقدم العصور منذ الحقبة المروية.. وقد احتفظوا بكيانهم في مختلف العصور.. فمنهم من دخل الإسلام طوعاً واختياراً.. ومنهم من بقي على عهده ودينه معززاً مكرماً.. وفوق هذا وذاك فهم أبناء وادي النيل وأقاصي صعيد مصر في نقاده وقنا واسنا وأسوان.. وهي مناطق ظلت عبر التاريخ مزيجاً واحداً مشتركاً لقبائل وشعب وداي النيل المشترك بين مصر والسودان منذ أقدم العصور حتى اليوم وحتى قيام الساعة.. ناهيك عن أنهما كانا ينتميان إلى وطن واحد حتى انفصال القطرين في عام 1956 وسيظلان كذلك حتى قيام الساعة. ولكن الأمر يمتد إلى أخواننا من المسيحيين من الكنائس الأخرى الذين أصبحوا رموزاً للسودان وفي طليعة أبنائه البررة من الكنائس الإنجيلية والمعمدانية والمارونية والكاثوليكية ومن منا لا يذكر الوطني السوداني الإغريقي الراحل جراسيمو كونتو ميخالوص وهناك شارع باسمه.. وذلك يوحي بالمكانة والعطاء لهذا المواطن المخلص. وهناك عزيز كافوري ولدينا حي ضخم راقٍ باسمه.. وهناك جورج حجار المواطن المخلص وابنه الجواد المعطاء أنيس حجار.. وهناك من رموز الجالية اليهودية من سبق أن ذكرته جارنا الراحل المحسن الإنسان الدكتور سليمان بسيوني ومنزله الذي كانت به عيادته لا يزال موجوداً بشارع الإرسالية (فريق الشيخ دفع الله).. وهناك أحد رجال الأعمال وأحد رجال الجالية اليهودية وزعيمها السيد إبراهيم داؤود العيني الذي أصر أن لا يغادر وطنه السودان تحت أقسى الظروف وهو أحد أولاد مراد العيني.. أحد رموز الخرطوم وصاحب عمارة أولاد مراد المشهورة والتي يقوم على أرضها الآن برج بلازا للوجيه كمال حمزة. هذا الوطن الرحب العظيم الكريم المعطاء له من السجايا ما نحرص عليه ونعض عليه بالنواجذ ونردد شعار آبائنا الخالد.. الدين لله والوطن للجميع.