بينما كان الطالب أحمد متوجهاً إلى منزله بمدينة سنار وهو في طريق العودة من المدرسة نهاراً بخطى بطيئة في الجهة المحازية لأحدى الترع رأى جثة قد طفت على السطح موثقة بالحبال، وعندما دنا منها أكثر تبين له انها جثة لرجل لم يتجاوز الثلاثين من عمره وقد كان الحبل ملفوفاً حول عنقه بصورة كاملة، ولم يتمالك أحمد نفسه من هول ما رأى وتوجه مهرولاً إلى قسم الشرطة بمدينة سنار والذي هرع افراده الموجودين به فور تلقيهم البلاغ إلى مكان الحادث، ومن ثم أحالوا الجثة للمشرحة لمعرفة أسباب الوفاة، وبعد يومين من أجراءات التحري حول الواقعة تبين ان الجثة لأحد العمال بمصنع السكر بسنار تعرف عليه العاملين بالمصنع، واثبت الكشف الطبي أن القتيل مات مخنوقاً بالحبل الذي وجد حول عنقه وان الوفاة حدثت قبل ان ترمى الجثة في الماء، كما اتضح أن القتيل كان يسكن في منزل ومعه اثنين آخرين تابع لمصنع السكر واحد الساكنين معه أطرش، وقد بدأت التحريات حول الحادث بأخذ أقوال الزميل الذي يعاني من داء الصمم والذي أدلى بافاداته بالاشارات التي فهم من خلالها ان الزميل الاخر الذي يسكن مع المجني عليه هو الذي خنق المجني عليه ورماه في الترعة لخلافات بينهما حول تكاليف الطعام الذي كانوا يتشاركون في شرائه وتناوله، وقد أنكر المتهم ارتكابه للجريمة، ولكنه رجع واقر مرة أخرى وقال أنه وآخر كان قصدهما سلب نقود المجني عليه، وقامت جهات التحري بعد ذلك باستجواب المتهم الأول مرة أخرى وسجلت له اعترافاً قضائياً، وأعادت استجواب الشاهد الأطرش وفهمت الشرطة من اشاراته انه يوافق على ان المتهم الثاني هو الذي قام بخنق المجني عليه ولكن عند سؤاله مرة اخرى عدل عن اشاراته وأفاد بأن المتهم الأول وحده هو الذي قتل المجني عليه والقى به في الترعة، أما عن المتهم الأول فأنه عندما وقف امام المحكمة تراجع عن اعترافه القضائي ونفى أنه هو الذي قتل أو اشترك في قتل المجني عليه واتهم السلطات بضربه وارغامه على الادلاء بذلك الاعتراف ودعته المحكمة ليكشف عن ظهره فرأت هناك آثار تؤيد انه تعرض للضرب. ولقد استقر رأي المحكمة في مراحل التقاضي النهائية على ان أقوال الشاهد الابكم والاصم التي استندت عليها محكمة الموضوع فيها كثير من التضارب وعدم الاستقرار بالنسبة لقضية المتهم الثاني وتعد لنفس هذا السبب ليست بذات وزن حيال المتهم الأول، وأكدت المحكمة في حيثيات قرارها على ان الشاهد عديم النطق ومن العسير الوثوق تماماً في مقصده ومعنى اشاراته، وقد اتضح هذا جلياً عندما حاولت المحكمة أن تستفسر منه بواسطة صديقه (الذي أدعى بأنه يستطيع ان يترجم اشاراته ترجمة كاملة) عن سبب تضارب أقواله في ناحية المتهم الثاني وقوله مرة انه هو الذي خنق المرحوم ثم نفيه لذلك مرة أخرى، ولقد عجز المترجم أن يدلي بأي تفسير لاشارات الشاهد ووقف حائراً امام حركاته المبهمة وقررت المحكمة أن هذه الأقوال المتضاربة ليست بالأقوال التي يمكن أن يعول عليها لأنها غير مستقرة على رواية واحدة، ورأت المحكمة أن الاشارات المبهمة والمتضاربة في نقاط جوهرية من الحادثة لهي أولى وأدعى للرفض وعدم الأخذ بها، ولم تأخذ كذلك باعتراف المتهم الأول على نفسه، وأشارت إلى وجود شبهة في ذلك من خلال ان الرواية التي تضمنها ذلك الاعتراف تشير كل الدلائل والملابسات إلى انها مكذوبة ومختلقة فهو يذكر أنه قد تربص مع المتهم الثاني للمجني عليه وقبعا ينتظران عودته ثم هجما عليه في الطريق لكي يسلباه نقوده بينما الظواهر تدل على ان الحادث وقع بعد ان هدأت الحركة واوى الجميع إلى فراشهم وبطريقة لم تجد لها المحكمة اي تفسير كما ذكر سابقاً، ونوهت المحكمة إلى أن الرواية التي ادلى بها المتهم الأول في اعترافه يشوبها الكذب وقد رفضت المحكمة الأخذ بالجزء الأساسي منها وهو الخاص بالدور الذي لعبه المتهم الثاني في قتل المجني عليه، واعتبرت المحكمة ان ما تبقى بعد ذلك من أدلة لا يصلح لأن يكون أساساً لادانة المتهم الأول خاصة بعد ان عدل من الاعتراف القضائي وأكد بالدليل انه كان مرغماً على الادلاء بذلك الاعتراف وانتفى كل دليل يكشف عن الحقيقة ومواطن الصدق وأمرت المحكمة من ثم بالافراج عن المتهمين الأول والثاني على السواء.