اختتم مؤخراً بالخرطوم مؤتمر علاقات السودان بدول الجوار الذي خرج بتوصيات مهمة وجادة، إن وجدت طريقها للتنفيذ المباشر من شأنها أن تدفع بمزيد من التطور والنمو للعلاقات السياسية الاقتصادية الاجتماعية بدول الجوار السبع،، حيث شارك في هذا المؤتمر خبراء ومثقفون وساسة رسموا خلال يومين من المناقشات الأطر العامة لاستراتيجية بناء العلاقات المبنية على أساس تبادل المصالح المشتركة، فضلاً عن إدراك التأثير الإيجابي أو السلبي في حالة التقارب والتباعد لهذه العلاقات،، وفي ختام المؤتمر أجرت آخر لحظة حواراً مستفيضاً مع دكتور محمد ابراهيم أرباب الخبير الاستراتيجي في التخطيط الاقليمي حول ملف علاقات السودان بدول الجوار،، حول أهمية انعقاد المؤتمر في الوقت الراهن، والدلالات التي خرج بها المؤتمر ما بعد انفصال دولة الجنوب، والاستفادة منها في الحفاظ على وحدة السودان الحالي، دول الجوار وأهميتها بالترتيب. الدكتور محمد ابراهيم أرباب عمل محاضراً بجامعات المملكة العربية السعودية-اليمن -جامعة الزعيم الأزهري- وخبيراً بمنظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) وله مؤلفات عديدة في مجال التخطيط الإقليمي، والكثير من الاستفهامات حول مستقبل علاقات السودان بدول الجوار فالى مضابط الحوار: اختتم مؤخراً بالخرطوم مؤتمر علاقات السودان بدول الجوار الذي خرج بتوصيات مهمة وجادة، إن وجدت طريقها للتنفيذ المباشر من شأنها أن تدفع بمزيد من التطور والنمو للعلاقات السياسية الاقتصادية الاجتماعية بدول الجوار السبع،، حيث شارك في هذا المؤتمر خبراء ومثقفون وساسة رسموا خلال يومين من المناقشات الأطر العامة لاستراتيجية بناء العلاقات المبنية على أساس تبادل المصالح المشتركة، فضلاً عن إدراك التأثير الإيجابي أو السلبي في حالة التقارب والتباعد لهذه العلاقات،، وفي ختام المؤتمر أجرت آخر لحظة حواراً مستفيضاً مع دكتور محمد ابراهيم أرباب الخبير الاستراتيجي في التخطيط الاقليمي حول ملف علاقات السودان بدول الجوار،، حول أهمية انعقاد المؤتمر في الوقت الراهن، والدلالات التي خرج بها المؤتمر ما بعد انفصال دولة الجنوب، والاستفادة منها في الحفاظ على وحدة السودان الحالي، دول الجوار وأهميتها بالترتيب. الدكتور محمد ابراهيم أرباب عمل محاضراً بجامعات المملكة العربية السعودية-اليمن -جامعة الزعيم الأزهري- وخبيراً بمنظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) وله مؤلفات عديدة في مجال التخطيط الإقليمي، والكثير من الاستفهامات حول مستقبل علاقات السودان بدول الجوار فالى مضابط الحوار: *ماهو رأيك في هذا المؤتمر الذي يحمل عنوان مؤتمر علاقات السودان بدول الجوار رؤية مستقبلية؟ -يعتبر هذا المؤتمر في نظري حدثاً مهماً لعدة عوامل، فهو شراكة ذكية بين مركزي الدراسات والبحوث بجامعتي افريقيا العالمية والزعيم الأزهري، وهو تجمهر عالمي كان ضرورياً في هذه المرحلة الحرجة، والأهم من ذلك كله فإنه ولأول مرة في السودان يصدر كتاباً شاملاً لبحوث يوزع في نفس الندوة، إذ إن سمة المؤتمرات والندوات وورش العمل انها تنفض دون توثيق دقيق، مما يقلل من جدواها، كذلك فإن أعمال المؤتمر تعتبر مرجعاً علمياً لدارسي التاريخ والعلوم السياسية والاستراتيجية، والأعلام والدبلوماسيين.. كانت إدارة المنصة ممتازة من قبل أكاديميين عسكريين مثل لواء دكتور محمد العباس الأمين، أو السفراء الرشيد خضر-ابراهيم فقيري-عمر عبد الماجد-دكتور محجوب الباشا- محمد أحمد عبد الغفار، وكانت تعقيباتهم النابعة من الخبرة الطويلة والعمل في دول الجوار قيمة عالية أثرت النقاش. *لكن كتاب المؤتمر ينقصه أمران؟ نبذة عن كتاب المقالات في أول أو نهاية الكتاب خرائط سياسية لأفريقيا وحوض النيل والقرن الافريقي، لترسيخ الخارطة الذهنية لدول الجوار، حتى كُتَّاب المقالات لم يهتموا بهذه النقطة. *هل يمكن اعتبار أعمال المؤتمر شاملة لكل دول الجوار أو المحيط الاقليمي الاستراتيجي بصفة عامة؟ - في الحقيقة توجد عدة محاور يمكن التحدث في إطارها مثل دول الجوار المباشر والذي يعني مصر- ليبيا-تشاد-افريقيا الوسطى- دولة جنوب السودان-اثيوبيا- اريتريا.. دول الجوار المباشر مع الدول التي تليها أي يوغندا- وكينيا- والصومال- وجيبوتي- والكنغو- والقائمة كبيرة تضم السعودية- واليمن- ومالي- والنيجر- ونيجيريا- والكاميرون- يمكن التركيز في مؤتمر آخر على دول حوض النيل العشر أي مصر- السودان-الكنغو-جنوب السودان-يوغندا- تنزانيا-كينيا- اثيوبيا-اريتريا، كذلك يمكن التفكير في محور يضم دول البحر الأحمر بدءاً من الأردن- المملكة العربية السعودية-اليمن- الصومال-جيبوتي-اريتريا- مصر- السودان وهو محور مهم للامكانيات الواسعة في التعاون الاقتصادي عبر نقل بحري مرن، واستراتيجية الحماية أمن وبيئة البحر الأحمر، كما أنصبت أوراق المؤتمر على دول الجوار المباشر كافة، مع بعض دول الجوار غير المباشر، مثل السعودية- والصومال- واليمن- أي الحلقة المباشرة والتي تليها ولنكملها كان لابد من ورقة عن الكنغو وأخرى عن كينيا. أثار أحد المعلقين المهتمين بقضايا الجنوب مسألة الاستغراق في السرد التاريخي، وإهمال قضايا مثل المياه والبيئة والحدود وهي ملاحظة جديرة بالتأمل. *ماهي القضايا الأخرى التي كان من الضروري مناقشتها في هذا المؤتمر؟ -أولاً كنت أتوقع ورقة تتحدث عن الاستراتيجيات التي تستهدف السودان وافريقيا، ابتداء من نظرية ماكندر عن قلب الأرض، وانتهاء بنظرية سبيكمان الأمريكي عن الإطار الخارجي الذي يضم افريقيا، علاوة على أخطر كتابين يحكمان العقلية الأمريكية، الآن هما صدام الحضارات وهو كتا نعرفه جيداً، وكتاب آخر لغوكوياما عن نهاية التاريخ وخاتمة البشر، وهو كتاب يتنبأ ويرى ضرورة سقوط الحكومات الدكتاتورية والآيدلوجية بكل أشكالها، لأن هذه الكتب وكلها مترجمة الى العربية وفي متناول أيدينا، هي التي تترجم الى أجندات تفصيلية متلازمة مع الاستراتيجية الاسرائيلية للسيطرة على دول منابع النيل، والتحكم في إرادتها اقتصادياً، ويمكن التحدث أيضاً عن استراتيجيات كنسية للتنصير. ثانياً كنت أتوقع محوراً عن ترتيب البيت من الداخل قبل الدخول في مسألة العلاقات الخارجية، وأعتقد أن هذا المحور يحتاج الى مؤتمر قائم بذاته، فالسودان يواجه كثيراً من المشكلات الاقتصادية، وتدهور بعض قطاعات البنية التحتية، ومستويات التعليم، وازدياد حدة الفقر والعطالة، علاوة على المشكلات الهيكلية مثل الاعتماد شبه الكامل على تصدير المواد الأولية، وضعف القطاع الصناعي، ومن الناحية الأمنية توجد مهددات معروفة.. لكن ما أشير اليه دائماً في مداخلاتي في القضايا الشبيهة هي طبيعة التركيب المكاني في السودان، والذي يتركز فيه العمران وأهم المدن في القلب بينما تعاني المناطق الهامشية والتخوم مع دول الجوار من فراغ سكاني وحضري، يغري الدول الأخرى بالتوسع والغزو كما حدث في حلايب، ومثلث الفشقة، وحدث قديماً في مثلث لامي في الحدود مع كينيا، علاوة على توغل الوجود المصري في أراضٍ سودانية عدا حلايب على النيل النوبي، هذا الاختلال الجغرافي الديموغرافي موجود أيضاً في حدودنا مع دولة جنوب السودان، فقبل الانفصال شكلت منطقة المستنقعات اقليماً عازلاً عطل التفاعل الثقافي الاقتصادي الشمالي الجنوبي، وتظل بعد الانفصال عائقاً ما لم توجد الإرادة السياسية وسياسة الحضرية المتعمدة، أي زرع مدن ذات وزن في الفراغات السكانية، مهما كانت التكاليف.. إن الملاحظ أيضاً أن كل المناطق الساخنة في الخريطة السودانية هي ثقافات منعزلة توجد في شكل جزر، عجزنا منذ الاستقلال عن ربطها، ونظن دائماً إن الحل الأوحد هو اجراء التغييرات الإدارية المكلفة واللامركزية، ولا داعي للاستطراد، فالموضوع كما ذكرنا يحتاج الى مؤتمر قائم بذاته. *مارأيكم في التوصيات النهائية؟ -جاءت التوصيات النهائية كنتاج طبيعي للأوراق التي قدمت والمداخلات حولها، ولكن كان في تصوري أن تضم التوصيات الآتي: إحياء المبادرات القديمة وتفعيلها لئلا تكون توصيات هذا المؤتمر كأنها الغاء للأطر القديمة مثل مبادرة حوض النيل، ودول الساحل والصحراء، والاندوجو وغيرها من الأطر التي طرحت سابقاً- ترقية الثقافة الإعلامية السياسية تحت اشراف وزارة الخارجية، بحيث لا يسمح لأي كاتب بالتعرض لقضايا سياسية حساسة، ما لم يكن قد تملك قدراً من المعرفة عن الجيوبوليتيك، وتنظيم دورات إعلامية على النهج الذي تمارسه ولاية الخرطوم في الإعلام الخدمي الهادف، والذي تشرف عليه لجنة ترقية العلاقة بين المجتمع والولاية- كان من المتوقع التركيز أكثر على الدبلوماسية الشعبية ليس كمجرد شعار، بل كمناشط مخطط لها سلفاً ولها تمويلها الخاص وخططها، بحيث تتحسن صورة السوداني في دول الجوار، واستغلال الوجود الثقافي المشترك في اثنيات الحدود بطريقة فاعلة- كنت أتوقع تركيزاً أكبر على غرف عمليات خاصة بوزارة الخارجية، غرفة لكل دولة، وغرفة لا تعني مجرد حجرة بها عدة موظفين، بل مركزاً متكاملاً للمعلومات عن الدولة المعنية، ورصداً مستمراً للتغيرات التي تحدث بها، بحيث تستند الدبلوماسية والتصريحات الاعلامية من منبر موثوق به ورصين في الوقت نفسه. *السودان دولة عربية افريقية برأيك أي خطاب أفضل للانتماء العروبي أم الافريقي؟ -كان السودان مهيئاً بموقعه الجغرافي الاثنوغرافي أن يكون حلقة الوصل بين الجماعات العربية في شمال الصحراء والصحراء نفسها، بالإضافة الى الجماعات الحامية في الشرق، والنوبية في الشمال، وبين الجماعات الزنجية في الجنوب والغرب، ولو نجح السودان في هذا الدور لحدث اندماج بين جماعاته، وتكونت شخصية جديدة لا تملك أن تقول إلا أنها سودانية. أولاً دعنا نطرح بعض المسلمات مثل أن المكون السوداني ليس عربياً وزنجياً بحتاً، وأن الإصرار على هذه الثنائية هو الذي أغرى قوى الغرب الادعاء بوجود شمال عربي مسلم، وجنوب زنجي مسيحي، واللعب على هذا الوتر- ماذا عن العناصر الحامية في شرق السودن، التي هي لا عربية ولا زنجية، ماذا عن سكان النيل النوبي الذين يتكونون من مزيج نوبي عربي، بالاضافة الى تأثيرات زنجية واضحة؟ هل الفونج عرب متزنجون أم زنوج مستعربون؟ هل العناصر الجنوبية زنجية خالصة أم اختلطت بالعناصر الحامية وغدوا نيلو-حاميين؟ هل العروبة مفهوم سلالي أم أنه مفهوم ثقافي؟ لذلك لا نقول بأهمية أو أولوية التوجه العربي أو الزنجي، بل أقول إن السودان مزيج فريد من العناصر التي تكون افريقيا، انها افريقيا مصغرة بعروبتها وزنوجتها وحاميتها، وكل العناصر المكونة لها- لا يجب أن ننسى أن هناك أجندة لخلق الفتن في الدول ثنائية أو معقدة التركيب، وانظرالى مظاهرات العناصر الزنجية في جنوب موريتانيا، والفتنة الطائفية في مصر وتكريس فكرة الثنائية العربية الامازيغية في المغرب العربي، التي عاشت أكثر من 14 قرناً بهذا المزيج دون فتنة، وانظر الى محاولات تقسيم العراق الى كردي سني شيعي، وقس على ذلك، ولهذا السبب فإن من الضروري رسم استراتيجية للتوحد مقابل استراتيجيات التمزيق ونخطئ حين نظن أن الأجندة الغربية لتمزيق السودان قد انتهت عند حد فصل الجنوب، ولكن هذا الحديث يجب أن يدور بعد أن تصمت البنادق. *ما هو مستقبل التنمية بالسودان بعد انفصال الجنوب؟ وما هي مقومات ومستقبل النمو الصناعي والاستثماري للسودان في وضع ما بعد الانفصال؟ -أعتقد أننا قضينا وقتاً طويلاً في التباكي على انفصال الجنوب، ونعزي النفس بأنها لاتملك مقومات دولة، وأنه سيدب الصراع ويعود الجنوب للشمال، وربما كان هذا نوعاً من تأنيب الضمير، إذ أدركنا هول المصاب بعد وقوعه، أو أن القرار الجنوبي فاجأنا أم أنه التمادي السوداني في مد أيام خيمة العزاء؟ لابد من نبذ العاطفة والمشاعر القديمة، وأن نتعامل مع الجنوب كجارة جديدة، من مصلحتنا أن لا نعاديها وندفعها الى أحضان المنافسين والمتربصين بنا، فبقدر ما تربطنا علاقات المصلحة المشتركة ويزداد حجم التفاعل الاقتصادي والثقافي، فإنه تنهار محاولات الفتنة والتدخل، وستدرك الأجيال الجنوبيةالجديدة التي لم تحمل الكلاشنكوف وتشم رائحة البارود، أن الشمال الأكثر تطوراً هو طريقها الى التقدم والازدهار، ولذلك فإنه ينبغي أن ندرس حاجات الجنوب من السلع الغذائية والصناعية، ونحاول توفيرها، صحيح أننا لن نستطيع منافسة الدول الأخرى في المنتجات المتطورة كالسلاح والطائرة، ولكننا وبحكم القرب الجغرافي وتركُز معظم السكان في نطاق أقرب الى الشمال من الدول المتاخمة- أي يوغندا، وكينيا، واثيوبيا، نستطيع سد حاجات الجنوب وتصبح سوقاً قوامها الآن ثمانية ملايين نسمة، لكنها تزيد بمعدلات مرتفعة في هذا الإطار، فإن الوقت ليس في صالح الشمال، ونحن نبدد الطاقة الاجتماعية، أما في الحروب أو الجدل السياسي هناك بطء في محاربة الفساد، وإعادة المشاريع الحيوية مثل مشروع الجزيرة والمناقل الى الحياة، وتأهيل السكك الحديدية، كأرخص وسيلة للجنوب لتصدير منتجاته، وهناك أفكار حيوية في أوراق المؤتمر في هذا الاتجاه. *كيف تقرأ مستقبل العلاقات بين السودان ودولة الجنوب؟ -إذا أمنا أن كلا الدولتين في حاجة للأخرى فإنه يمكن إقامة نوع من التخصص في الانتاج والتكامل الاقتصادي، ولكن الحديث عن الاقتصاد يصبح نظرياً فقط إذا لم ننجح فيما فشلنا فيه سابقاً، وهو خلق الوشائج مع الجنوب من طرق أسفلتية وسكك حديدية، وتطوير الملاحة النهرية والتخلص من المشكلات العالقة، مثل رسم الحدود، كذلك تنبع ضرورة احتضان شباب الجنوب في جامعات الشمال، وتكثيف الحركة بين الدولتين، ولا ينبغي أن تظل النظرة عدائية ليوغندا وكينيا فهما أسواقنا المستقبلية إذا جندنا طاقاتنا الكامنة، وتعتبر ورقة عبد الرحمن أحمد عثمان عن (الأسس الاستراتيجية لعلاقات السودان بدولة الجنوب الوليدة) خارطة طريق ممتازة ورداً أكثر تفصيلاً على السؤال المطروح، ويستحق أن يناقش منفرداً في مقام آخر.. وأخيراً يمكن القول إن العلاقة مع الجنوب هي مفتاح العلاقة مع دول جنوب الجنوب.