أخي الغالي مؤمن تحياتي.. أراك يا صديقي وظفت قلمكم تدافع عن جيلنا، وقد استفزتكم رسائل القراء وأصابنا ما أصابكم من مناوشات.. فكان ردكم عبارة عن قطع موسيقية نادرة عزفها قلمكم بريشة الزمن الجميل.. بعزف متفرد على لوحات البلاغة والبيان والتاريخ.. فهؤلاء الذين قصدونا «بالمداعبة الحلوة» لا يعرفون أن حق الاحترام مقدم بحكم السبق في الزمان.. وتعاقب الأجيال لا يلغي تاريخ الأفذاذ صناع التاريخ والمجد والحياة.. فالحاضر متسلسل من الماضي ومرتبط به.. ولكن الذين يظهرون على شاشات التاريخ لن يكونوا كالأزهري والمحجوب وزروق والكوكبة الرائعة التي أعطت الوطن وخرجت إلى مقابر أم در من بيوت الإيجار المسقوفة بالسعف والحبال.. فالتاريخ يحفظ لهم هذه المفاخر وتلك المآثر.. فلينظر جيل اليوم إلى صفحاته ودونكم الحكمة والطهارة ونزاهة اليد.. فما دخل في جوف التاريخ أصبح من العلم الذي يُنتفع به فلا تحزن يا صديقي من مداعبة القراء فهم يستمتعون بعزفكم المتفرد على أوتار عود يعزف لحن الخلود.. فأنت تعلم أننا بالأنشودة والأغنية الوطنية بالقصة والمسرحية والكلمة الحرة الشريفة بالعلم والثقافة حاربنا حتى نلنا استقلالنا.. ولولا هؤلاء الأفذاذ لأضحت بلادنا جمجمة يسكنها الفراغ والظلام.. والأفكار يا صديقي كالناس فيها العوام والخواص والإنسان مبتلى في زمانه بحسد الحاسدين.. فإننا عندما نكتب عن جيلنا نؤرخ ونستدعي آليات الزمن للتأصيل حتى لا تضيع أمجاد الرجال في زمان «أملاني رصاص».. بعض الناس يا صديقي يخضعون لسطان الأنانية الفردية والقومية لأنهم يجهلون خطوات سير الإنسان منذ وجوده ساذجاً إلى صيرورته عالماً.. فما لنا يا مؤمن من جيل أراد أن يكون كثمرة تنفصل عن فرعها لثقلها فتسقط دون أن تدري معنى السقوط.. لقد صورت ونشرت لهم «صحيفة» الأزمنة الثلاثة.. الماضي الرائع بقادته ونضال أجدادنا وتناولت آداب الجيل وثقافاته وعاداته وموروثاته.. مثلما ذكرتهم بالقادة العظام ناصر وفيصل وسيكوتوري و نكروما وبومدين و غيرهم كثر.. وتركت لهم حاضرهم علهم يتعلمون.. أما المستقبل فبيد علام الغيوب. فعصرنا عصر عظيم وابن عصور عظيمة وضعت لبنات سودان اليوم منذ السودان القديم إلى المعاصر المهتز بعدم الولاء والوطنية والمطامع الذاتية والحزبية.. لقد قطعنا من الأيام مراحل وتقدمنا في السن ولن نكون كوتر مقطوع لا يرن فيه نغم.. فعندما يطرح الزمان ما نكتبه سيتذكر هؤلاء قيمة تعاقب الأجيال.. فالنور يتبع الظلام والليل يخلف النهار والنهار يتبع الليل والسواقي لا تفقد قيمتها عند ضفاف الأنهار لأنها تأخذ لتعطينا النماء.. فأين الآن وسائل إعلامنا من أيام المجد والخلود والتاريخ.. أين الندوات والأحزاب ورسالة الجامعات ووسائل الإعلام في تناول وحدة أهل السودان في أيام مجد الاستقلال.. ألسنا في حاجة إلى تطبيق نداء الوحدة الوطنية لبناء السودان الديمقراطي المشرق.. ألسنا في حاجة لفتح كتاب الماضي لنعلّم الأجيال معنى الوحدة الوطنية.. ألسنا في حاجة إلى يد غواص يغوص في أعماق التاريخ يستخرج الدرر ليعلمها للأجيال.. أين اعلام الوطن وتعزيز العلم ألسنا في حاجة له الآن وبلادنا وجنودنا يقاتلون ويدافعون.. حقاً ما أشبه القطط بالفلاسفة أحياناً وما أوجع منظر زعماء الأحزاب الممتدة أياديهم للاستعطاء لكرسي في الحكومة باسم الماضي الحزين على حاضرهم المبكي.. أخي مؤمن وللسادة القراء تعالوا لنفتح صفحات لبناء الوطن بالروح الوطنية والمنهجية العلمية، فأنف السوداني الشامخ لا يذله الفقر ومن أجله الوطن يناديكم لوحدته والله المستعان. أخوك/ د. يحيى التكينة