الأخ الكريم الأستاذ/ مؤمن الغالي لك عاطر التحايا والود. أتابع باهتمام وإعجاب شديد كل ما تكتبه بعمودك الجميل في هذه الصحيفة الموقرة وأجد نفسي دائماً متفقاً معك في كثير من الآراء حول ما تتناوله في الشأن السياسي وغيره من مواضيع عامة تخص مواطني هذا البلد المغلوب على أمره.. وفي حبك ودفاعك المستمر وغيرتك على مدينة امدرمان الخالدة التي نفخر ونعتز جميعاً بالإنتماء لها لأننا ولدنا ونشأنا وترعرعنا فيها. والحديث يا عزيزنا (مؤمن) عن تاريخ فن الغناء السوداني في كل الحقب الماضية حديث ذو شجون ويحتاج لصحائف ومجلدات كثيرة.. وقد بذل قبلنا بعض الكتاب والمؤرخين السودانيين جهداً خارقاً لتسليط الضوء حول هذا الموضوع لتوثيق ما قام به فنانو السودان ومبدعوه خاصة في فترة الحقيبة في ذلك الزمن البهيج. ولأدلف مباشرة في موضوع مقالي هذا وهو ليس بالمقال الأول ولا الأخير - إذا أمد الله في الآجال - فقد كتبت عدة مرات عن اعجابي بغناء الحقيبة ضمن مقالاتي المتواضعة ككاتب متعاون في الصحف المحلية المختلفة .. وآخر مقال كتبته عن الحقيبة كان رداً على أحد الاخوة الصحفيين - سامحه الله - الذي شن هجوماً عنيفاً على أغنية الحقيبة وذكر بانها فترة زمنية محددة قد إنتهت .. ووصف محبيها وعشاقها بكلمة (الكهنة) وأنهم يحبونها لدرجة التقديس والتدليس وكلامه هذا بالطبع فيه ظلم فادح وينقصه التهذيب لأن أغاني الحقيبة وكلماتها التي سطرها شعراؤها الأفذاذ في الأغاني الوطنية والعاطفية بألحانها التي تتغلغل انسياباً في الروح والوجدان وكل جارحة اوجدها الخالق سبحانه وتعالى في جسم الإنسان وتغنت بها أجمل الحناجر التي عرفت كيف تطرب كل كلمة جاءت في القصيدة فأسرت وشغفت كل من استمع إليها وصارت من مقومات حياته كالهواء والماء لأنها تعتبر كنزاً فنياً وأدبياً يتوجب علينا جميعاً أن نحافظ عليه. أنتقل بعد ذلك لما كتبته انت - أستاذنا مؤمن - ورأيك في أغاني الحقيبة الذي أوضحته في مقالين بهذه الصحيفة المحبوبة لدى القراء .. وأكاد لا أصدق أن يصدر مثل هذا الكلام من أستاذ كبير في قامتك نجله ونحترم رأيه.. المقال الأول كان عن أغنية (دمعة الشوق) للشاعر العظيم (مصطفى بطران) له الرحمة والمغفرة وهو شاعر الطبيعة والجمال ورغم إعجابك بشعره فقد هاجمته وقلت انه قد استصعب عليك فهم ما يقصده بكلمة (حبي ليك سلمى) .. فيا أخي (مؤمن) ان فهم هذه الثلاثة كلمات ليس صعباً - وأنت سيد العارفين - فهو يقصد أن حبه لحبيبته سلمى لا يشوبه أي غرض سيء وكلمة سلم وسلام معروفة ولا تحتاج لشرح .. أما مقالك الثاني الذي خصصته أيضاً لغناء الحقيبة بعنوان (الكواكب احتفلوا بالقمر) الذي انتقدت فيه كثيراً من الأغنيات مثل (منظر شيء بديع ما أحلي الغزل) وسؤال إبنك لك عن ما قصده الشاعر (المرجرج كالخائض الوحل) و(ساح نام في الكفل) واستغرابك لكلمات الرمية التي يبدأ بها هؤلاء الفنانون أغانيهم وهي (المعالق البوخة .. قام ندا يهتف .. نام من الدوخة.. ايده عاقباه .. الجدلة مملوخة .. لمعالجة الجوف .. موسو مجلوخة .. فلا تستغرب يا أخي لهذه الكلمات لأن هؤلاء الشعراء العمالقة قد كتبوها في ذلك الزمن الجميل ولا يقصدون الإساءة للمرأة وأغلب هذه الأشعار كانت من وحي خيالهم لأنهم كما نعلم كانوا محرومين من رؤيتها ولقائها عكس ما يحدث الآن في هذا الزمن القبيح الذي تتاح فيه الفرصة لالتقاء الرجل بالمرأة في أي مكان وزمان في الأماكن العامة والخاصة بينما جيل فترة الحقيبة كانوا يعيشون في مجتمع محافظ وتمنعهم التقاليد والأعراف والعفة والكرامة من الاختلاط بالمرأة وكانت فرصتهم الوحيدة لرؤيتها في مناسبات الأفراح أو ما يسمى (بيت اللعبة) فيا أخي (الأستاذ مؤمن) قل لي بربك كيف تترك وتتناسى كل شعر الحقيبة الرصين في وصف المرأة وعفتها والافتخار بها وتمجيدها في الكثير من أغانيهم الجميلة مثل : عزة في هواك - في الضواحي وطرف المدائن - يا جوهر صدر المحافل - فلق الصباح - يامن فاح طيب رياه .. على ميت الهواء أحياه - أضيع أنا وقلبي يزيد عناه فليحيا محبوبي ويبلغ مناه - ضيع عمري ظلماً فلتسلم يداه - ما رأيت في الكون ياحبيبي أجمل منك - في الطيف أو الصحيان زورني ياحبيبي أنا عيان - يانجوم الليل اشهدي - ياليل أبقالي شاهد - أجلي النظر يا صاحي - دمعة الشوق كبي - كيف لا أعشق جمالك - أنا صادق في حبك - أنا بيك سعادتي مؤكدة - يا عيني وين تلقي المنام احبابك جفوني - يارشا يا كحيل غيثني- زرعوك في قلبي - زيدني في هجراني - العيون النوركن بجهرا - الفريد في عصرك - يا نعيم الدنيا - يانسيم الروض - الشادن الكاتلني ريده - ومئات الأغاني الجميلة غيرها. هذا مثال بسيط - أخي مؤمن - للدرر والروائع التي اتحفنا بها هؤلاء الشعراء المتفردين ولا نعتقد بان الزمان سيجود بمثلهم وللذين لهم رأي آخر بأن أغاني الحقيبة لا تعجبهم ويرون ان فترتها قد انتهت .. فاننا نطالب من يأنس في نفسه الكفاءة من شعراء الأغنية الحديثة أن يأتينا بأغان تكون في نفس مستوى أغاني الحقيبة هذه وأحسن منها لنهيم حباً بها ونعشقها وننسى أغاني الحقيبة. مع صادق تحياتي وشكري هاشم الحاج الموردة - امدرمان