ü في «إضاءة» الأحد الماضي قلنا إن الانتصار السريع - وليس الحاسم- للانتفاضة المصرية، الذي لم يستغرق سوى 18 يوماً قد أنزل «قِدرة الثورة» من الموقد والطبخة لاتزال نيئة، فكثير من الاستحقاقات لم تنضج ولم تستوِ و ظلت على حالها تنتظر المزيد من العمل أو المزيد من النار واللهب، وإن الثورة المصرية لم تكتمل ولم تحسم خياراتها ولم تحدد طريقها المفضي إلى هدم النظام القديم وإقامة النظام الجديد الذي يعني «التغيير» بكل أبعاده. ü كنا نكتب ذلك صباح السبت «19 نوفمبر»،اليوم التالي لحشد الجمعة بميدان التحرير، الذي دعت له بشكل رئيسي تيارات الإسلام السياسي احتجاجاً على وثيقة التعديلات الدستورية، المسماه بوثيقة السلمي، احتجاج آزرت فيه قوى أخرى سياسية ومن ناشطي ثورة 25 يناير تيارات الإسلام السياسي، وتحول صباح السبت 19 نوفمبر إلى هزة ارتدادية جديدة، أول هزة من نوعها وبحجمها تعقب زلزال 25 يناير الذي هدّ قمة نظام حسني مبارك دون أن يدمر قواعد النظام أو يخلع أساساته، فالانتفاضة الشعبية المصرية- كما قلنا أيضاً في تلك الإضاءة - اتكأت في انتصارها السريع ذاك على «حماية الجيش» واستعانت بدون اختيارها أو قرارها بأهم وأكبر أجهزة وأدوات النظام القديم المتمثل في القوات المسلحة التي ظلت تحكم مصر منذ العام 1952م. تحول صباح السبت إلى بداية انتفاضة جديدة، أو إلى هزة ارتدادية كبرى في مجرى الزلزال الذي شهدته مصر في 25 يناير، رفعت ، بحسب الأنباء، مطالب جديدة في مقدمتها تحديد جدول زمني من جانب المجلس العسكري الأعلى لتسليم السلطة لرئيس منتخب ديمقراطياً أقصاه أبريل 2012م، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتقصي الحقائق فيما حدث منذ صباح السبت 19 نوفمبر بميدان التحرير، حيث لجأت قوات الأمن المصرية مدعومة بالشرطة العسكرية إلى استخدام العنف المفرط في مواجهة الشباب المعتصمين في ميدان التحرير، ابتداءً من ذلك الصباح وفي الأيام التالية، بالإضافة إلى إقالة حكومة عصام شرف وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لإدارة البلاد في ما تبقى من الفترة الانتقالية. ü سلوك الأمن والجيش والحكومة هو ما قاد لتأزيم الأوضاع وفاقم «الهزة الارتدادية» التي نشهدها الآن في ميدان التحرير بالقاهرة ومحافظات أخرى كالأسكندرية والسويس، و بالإضافة إلى غياب الأمن يشكو المصريون أيضاً من ارتفاع الأسعار وتعطل الخدمات أو تعثرها، وهو ما كانوا يرجونه في أعقاب التغيير الذي وقع في قمة هرم السلطة ولم يتحقق منه شيء، بالإضافة إلى خوفهم من ضياع مكتسبات الثورة إن لم يكن الانقلاب عليها بالكامل في ظل سياسة التسويف والتباطؤ التي يمارسها المجلس الأعلى وحكومة شرف، والتي تحولت إلى مجرد سكرتارية للمجلس الأعلى لا تملك قراراً أو مبادرة في إدارة شؤون البلاد كما قال د. محمد البرادعي في لقاء تلفزيوني جمعه مع المرشح الرئاسي الآخر د. عبد المنعم أبو الفتوح في قناة «دريم-2». ü ضحايا «الهزة الزلزالية» التي بدأت مع صباح السبت 19 نوفمبر بلغ حتى صباح الأمس 20 قتيلاً وأكثر من 400 جريح، وبدا واضحاً أن ثوار 25 يناير قد عادوا إلى ميدان التحرير مجدداً وهم مصممون على عدم مغادرته إلى أن تتحقق مطالبهم الثلاث التي أشرنا إليها في مقدمة هذه «الإضاءة» وهي: تحديد جدول زمني من جانب المجلس الأعلى لتسليم السلطة بحلول أبريل المقبل، وإقالة حكومة عصام شرف واستبدالها بحكومة إنقاذ وطني، وإجراء تحقيق مستقل ومحاسبة المسؤولين عن العنف واراقة الدماء. ü المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذه الهزة الارتدادية بدأت قبل 9 أيام فقط، أي نحو أسبوع واحد من موعد لأول استحقاق انتخابي لمجلس الشعب «28 نوفمبر الحالي»، مما يضع المجلس العسكري والحكومة في موقف لا تحسد عليه، فهذه الهزة تهدد قيام الانتخاب نفسها مما يفتح مستقبل البلاد والثورة على المجهول. فهل ستتمكن مصر بإداراتها الانتقالية الضعيفة المتمثلة في المجلس العسكري الأعلى وحكومة عصام شرف ومعها القوى السياسية الراغبة في استكمال التحول الديمقراطي من لملمة الأوضاع وإنقاذ مايمكن إنقاذه وإجراء الانتخابات وتأمينها بشكل كامل ليتمكن الشعب من اجتياز المرحلة، أم أن الهزة الارتدادية ستطيح بالانتخابات وتدخل البلاد في خيارات غير معلومة من بينها الفوضى واحتمالات الردة وإجهاض أحلام الثورة بالالتفاف على أهدافها وتكريس ديكتاتورية جديدة تحت عنوان جديد.. مصر والثورة المصرية تعيش أخطر اللحظات منذ انتصار الثورة، وليس بين يدينا سوى الدعاء «لمصر المؤمنة بأهل الله»!