في أغلب مدن وعواصم العالم المتحضرة تغطي المساحات الخضراء جزءً كبيراً من تلك المدن، ولكن في السودان ورغم خصوبة الأرض حتى وإن كانت داخل المدن، فإن ثقافة الإخضرار ظلت محدودة في كل بلاد العالم التي زرناها تمثل تلك المساحات نسبة كبرى خاصة في الدول الأوربية.. في زيارتنا للدنمارك كان مرافقي يقول « حقو يعملوا مسابقة على أن يعطي الفائز الذي يتمكن من الحصول على حصة تراب جائزه كبيرة» إنها عواصم حضارية حقيقية- ليس هناك عمال في تلك المدن يقومون بإزالة التراب من الشوارع مساء ثم تعود إلى نفس مكانها صباحاً ثم يكررون الأمر مرة ومرات وبميزانيات ربما تفوق رصف جنبات الشوارع مصدر الأتربة أو زراعتها.. ومن تجارب زراعة الواجهات ما قامت به جامعة أفريقيا العالمية حيث حولت المساحة أمام الجامعة إلى حدائق من بداية الشارع عند مصحف أفريقيا حتى نهاية الجامعة شرقاً فأصبحت تسر الناظرين ولقد أنشئت بمدن العاصمة الثلاث عدد من الحدائق لكنها بمساحات محدده مقارنة بالمناطق الترابية بالعاصمة كالموردة وأم درمان الكبرى والريفيرا وشباب الربيع وفي بحري حديقة عبود والبلدية التي كانت، وحدائق جانبية عند نهاية كبري بحري القديم كانت حديقه الحيوان التي تحول مكانها إلى فندق الفاتح ثم حديقه القرشي والمقرن والطفل والرياض ثم الساحة الخضراء. وقد بدأت ولاية الخرطوم الآن الاهتمام بالمساحات الخضراء، حيث تم الاهتمام بشارع عبيد ختم كنموذج والساحات بالأحياء بعد هذا الاستعراض الذي ذكرته وبمناسبة ما يجري من عمل بالساحة الخضراء فقد أردت هنا أن أركز عليها وهي لمن لا يعرفها تقع شمال عفراء وجنوب مطار الخرطوم ويعتبر إنشاؤها في ذلك الوقت عملاً كبيراً حيث تتميز بسعة المساحة وهي على ما اعتقد من أفكار «أخونا» العميد يوسف عبد الفتاح أو جاءت في عهده بالولاية عندما كان يشغل منصب نائب محافظ الخرطوم.. لقد أصبحت الساحة الخضراء معلماً من معالم العاصمة وأصبحت مقراً للاحتفالات والمناسبات القومية، ولكن حالها تدهور مؤخراً وتحولت نجيلتها إلى يباس وأسوارها إلى خرابات وقد لاحظت ذلك عندما أقيم بها احتفال تدشين بصات الولاية الجديدة وآليات النظافة والتي شرفها الأستاذ علي عثمان محمد طه وقد كان الغبار ينبعث من تحت لساتك البصات في الاستعراض. عندما انشئت الساحة كانت المناطق من حولها خالية لذا فقد كانت مميزة ولكن بعد تعمير تلك المواقع حيث أنشئ مجمع عفراء وصالات الأفراح وفندق السلام روتانا ودار اتحاد أصحاب العمل وموقع إحدى أقسام البترول وعمارة الشركة العربية للدواجن- فقد ظهرت الساحة بصورة كئيبة وقد كان لابد من التفكير في إعادة تأهيلها.. إن الساحة الخضراء قد شهدت العديد من الاحتفالات القومية وأصبح اسمها مرتبطاً بالأنشطة الكبيرة بسعتها وموقعها فشهدت عدداً من احتفالات الإنقاذ بأعيادها، وكان من أكبر الاحتفالات التي ضمتها الساحة الخضراء هو احتفال وصول جون قرنق للخرطوم بعد اتفاقية السلام، وقد تدافع الناس في ذلك اليوم المشهود لاستقبال قائد الحرب ثم السلام بعد توقيع اتفاقية نيفاشا وقد قدم الحضور بمئات الآلاف، و وصف ذلك قرنق نفسه حين قال إنه سعيد بأن استقبله «مليون ناس»، ومن المدهش في ذلك الاستقبال أن تدافع الناس حتى من شمال السودان فجاء أهل محافظة مروي بقراها المختلفة يحملون رايات الترحيب كما كان واضحاً في صور أجهزة الإعلام. لقد شاهدت هذه الأيام- وأظن أن ذلك في إطار سياسات زيادة المساحات الخضراء- اهتماماً متواصلاً بإعادة تأهيل الساحة الخضراء حتى تواكب مستجدات التطور وقد أزيلت كل المنشآت والترتوارات بداخلها- وفي سورها المتهالك أصلاً تمت إزالته.. إن ما نشاهده من عمل جارٍ بالساحة الخضراء قطعاً قد وضع في اعتباره تأهيلاً يجعل الساحة الخضراء نقلة حضارية.. لتصبح ساحة على مستوى عالمي.. إن المواصفات العالمية تجعل من مثل هذه الحدائق جاذبة فتأمل أن يكون في خطة تأهيلها متسعاً للافراد والجماعات لتمتع بالهواء الطلق خارج قيود المنازل، مشاهده الطائرات وهي متجهة نحو المطار من طيران منخفض يعتبر في حد ذاته متعة ونوعاً من التغيير. أرجو ألاّ تظل الساحة بعد تأهيلها حكراً على الاستعمال الحكومي للاحتفال وغيره، ولنجعلها متنفساً رئيسياً لأهل العاصمة قاطبة ويتطلب ذلك أن تزود بما يجذب السكان لها. التحية في الختام لمن أسسوها وفي مقدمتهم العميد يوسف عبد الفتاح وكل المنسقين للحدائق والميادين والساحات ودور حدائق المؤسسات والمدارس والجامعات وكل مواقع الأخضرار. إن الساحة الخضراء تعود الآن من جديد بعد فترة خشينا أن يكون تجفيفها مقصوداً للاستفادة من موقعها الفريد حسب ماكان جارياً للتصرف في الميادين والساحات الأخرى رغم التوجيه الرئاسي بعدم التصرف في المساحة المخصصة لتلك الأغراض. التهنئة لمواطنينا بمتنفس الساحة الخضراء في ثوبه الجديد إن شاء الله.