الأخ الكريم الدكتور/ عبد الرحمن الخضر إن للخرطوم عاصمة السودان من المقومات الطبيعية ما يجعلها أجمل عواصم الدنيا على الإطلاق, فهي العاصمة الوحيدة التي تطل على ثلاثة أنهر, هي النيل الأزرق , والنيل الأبيض, ونهر النيل. هذا إلى جانب غابات النيل الأبيض , والجزر, ومرتفعات كرري الشهيرة , وسهول البطانة, ووديان أمدرمان والجميعاب, والحدائق والجروف المنتشرة على الضفاف , وكان الأجدر أن يكون سبب تسمية العاصمة المثلثة, الأنهر الثلاثة, لا المدن الثلاث كما علمتنا المدارس. وخيراً فعل الوالي السابق د. المتعافي إذ بدأ الخطوات العملية لتكون الخرطوم أجمل العواصم, وإن طال الزمن. فقد فطن المتعافي لتغول البناء العشوائي المزمن على الميادين العامة، حتى لا تكاد تجد بها ساحةً تتنفس فيها الهواء النقي كمعظم عواصم الدنيا، فكان أن تفتقت عبقريته عن إنشاء الحدائق المفتوحة على الضفاف, وفي حواف الشوارع , ومفترقات الطرق والكباري. ويحس المرء بالغبطة والسرور عندما يشاهد الأطفال الأبرياء وهم يمرحون في تلك الحدائق, وقد أخذهم إليها ذووهم الذين لا يملكون ما يدخلونهم به تلك الحدائق الفارهة , التي لا يقدر على نفقاتها إلا ذوي اليسار . ولك أن تعلم سيدي الوالي, أن معظم رواد هذه الحدائق المفتوحة هم الفقراء ومحدودو الدخل, حتى سميت هذه الحدائق بحدائق (حبيبي مفلس).وهم الذين يجتهدون متضامنين بالكاد لتوفير نفقات وسيلة تنقلهم إليها, ناهيك عن قيمة تذاكر الدخول. وقد أصبحت تلك الحدائق متنفساً لمئات الأسر، وألوف المواطنين والشباب. وكل ما فيها متاحٌ للعيان ، إذ لا خلوات محرمة مما يرفضه الدين والأخلاق. لذلك صارت هذه الحدائق مثل حدائق هايدبارك في لندن, لكن بعيداً عن السياسة. فهناك تعقد حلقات الرقص التراثية التي يشترك فيها الحضور بتلقائية, وتقام بها المناسبات الاجتماعية الصغيرة المتعلقة بالأسرة كحفل عيد الميلاد, وبالأصدقاء كحفلات الوداع والنجاح. بل ذهبت الولاية وقتها أبعد من ذلك في الترفيه بمواطنيها عندما وضعت الشاشات الضخمة لعرض مباريات كرة القدم للجمهور. وهذه الحدائق يحمد عليها بعد الله تعالى الوالي السابق دكتور المتعافي.وكل من طورها وحافظ عليها من بعد. مر زمنٌ ذبلت فيه تلك الحدائق. وأطلت الغبراء من بساطها الأخضر. وانطفأت الكشافات الضخمة التي كانت تنيرها, وجفت النوافير التي كان يعانق الهواء ماؤها, فيشمله رذاذاً وطراوة. وتحدثت النفوس بأن أيام المتعافيقد ولت إلى غير رجعة. وأن عادة السودانيين القديمة في إهمال الأشياء الجميلة قد استحكمت. سيادة الوالي كم كانت السعادة غامرةً عندما لمسنا توجيهكم الحكيم بإعادة تأهيل تلك الحدائق, والمحافظة عليها بسياجٍ يمنع المخربين الذين لا يتورعون عن اتخاذها معبراً تموت فيه الخضرة والجمال تحت أقدامهم. ولا شك أن المحافظة على الحدائق لا يقل خطراً عن انشائها . ولكن ... مع تلك السعادة الغامرة, أطل الخوف أن يكون قد خلص إليكم المحتكرون, عليهم اللعنة, الذين يحزنهم أن يروا السعادة في وجوه مواطنيكم. أو من يسمون أنفسهم برجال الأعمال وهم ليسوا من رجال الأعمال من شذاذ الآفاق, رواد الثراء السريع على حساب حقوق الآخرين الشرعية والدستورية, والذين يحزنهم أن يروا لحظات السعادة في وجوه مواطنيكم وأطفالهم, إلا أن يكون ذلك بثمن يدخل خزائنهم التي لا تشبع ولا تحمد الله. نخشى أن يزينوا لسيادتكم أن المؤسسات العامة لن تستطيع إدارة تلك الحدائق, وأن من الخير أن توكل إدارتها لشركات يرسو عليها العطاء .خفت أن يحدث ذلك وأنا أشاهد استحكامات الأسوار, والأبواب الفولاذية المتشابكة, والعدد الزائد من الأكشاك التي غطت معظم البساط الأخضر. سيادة الوالي إن هذه الحدائق هدية ولاية الخرطوم لمواطنيها الفقراء, وهم الذين أولوكم ثقتهم الغالية في الإنتخابات الأخيرة. فلا تفجعوهم فيكم. والأحرى أن تجعلوها كما كانت لعامة الناس بلا مقابل فأنتم إن شاء الله في غنىً عن هذا المقابل الزهيد جدا،ً مقارنةً برضا مواطنيكم وسعادتهم. Mohammed Khamees [[email protected]]