حين قيل اللهم أنصر الإسلام بأحد (العمرين) أفردهما هو (عمر بن الخطاب)، الذي كان إعزازاً لبواكير الإسلام، وهو ما نعلم عنه من خصال قيادية ومبادرات عالمية وإحداسيات لم تعلم إلا عنه هو.. وكان إذا سلك طريقاً سلك الشيطان غيره.. ثم أنظر العتيق عتيق الإسلام من النار (أبوبكر الصديق)، وهو ركيزه المقدرات والمميزات التعاملية، والنخوة القصوى وذو اليد الماهرة المعينة.. وبعد ذلك قل أنت ماشئت حتى تصل إلينا في تواريخ السودان العجيبة المتلاحقة، ولا أغوص فيها، إذ لا أستطيع الخروج بتوؤدة وتمهل، وما رأيكم أنتم وعلمكم بأخ وصديق الجميع الشهيد الماثل (الزبير محمد صالح) وأنداده ورفقائه على مسيرة التوكل والارتكاز ورياح (الجنة)، على منظومة البناء والتنمية (أبتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا)، ومن هذه الفجوات حين تفحصت مسارات الأمر، وظروفنا التي كررتها كثيراً وهي قول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) (رحم الله أمرءً عرف زمانه فاستقامت طريقته). وحقيقة تعاقب الظروف والتحديات تجعل لكل زمان ومكان تعرجاته واستقامته.. فقلت إذن ينبغي أن تبنى تطلعات القيادة والحكم على (خمسة) مرتكزات هي عندي مقومات التقدم وقيادة الآخرين.. ومنها تتفرع خصال أخريات.. هذه (الخمسة) على قمتها (الدراية) فإن أمر وشأن الآخرين لا يتسنى لمن لا يعلم أو يلم بفنون (القلم)، وهموم ومنافع الناس وحاجياتهم.. حتى ولو كان (والياً) وله قميص مفرد واحد.. فيختفي لسويعات (ليغسله) ثم يرتبه ثم يلبسه.. ثم يخرج على الناس.. كما حدثت (لوال) يختفي عن الناس.. فشكوه لأمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) فاستدعاه.. ولذلك يقال في الحكمة السائرة (هل من يدري كمن لا يدري) .. ومن بعد الدراية يأتي (الإبتدار)، وهو خصلة التميز بالمبادرة.. لأن البدريين هم أوائل الناس في الرسالة الخاتمة... المصادمة.. وأن الركود والجمود يسوق إلى وخائم الردى.. فالحياة هي حراك وتجدد، وأنتم ترون أن اليوم الذي يعج بالوقائع ثم يمضي فإنه لا يعود.. وهو- (أي اليوم)- خصم من أعمارنا (الستين) أو (السبعين) سنة.. فإن صرنا أبناء (ثمانين) ضحك الله لنا ولم يعذبنا يومئذ ما استقمنا.. والذي يركد ولا يجدد ولا يبادر تتجاوزه الأحداث والتعرجات، وهو ما ذهب إليه أحد الأئمة الأربعة حين سئل (يا إمام: أو يجهل العالم) فأجاب (حتى يصير حماراً) ذلك إذا لم يواكب في شأنه ويجدد ويراجع ويطلع.. وله أن يتمهل ولكن لا يهمل.. فالمبادرة هي إحدى خصال القيادة.. والقيادي ناجح بارع متصدٍ.. ثم من بعد الابتدار (التراهة) والقيادة هي الإعتلاء.. وعندي في أمثالنا الشعبية (من أعتلى الشجرة عليه بالحذر حتى لا ترى سواتره) وهي (أي النزاهة) من مصطلحنا الراقي (الشفافية)، بل أن يكون فطناً ذا بيان لما يأتي به أو يتعرج من التعاملات والأنفاق وقضاء حوائج الناس، (فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته..) وكما أشار النبي (صلى الله عليه وسلم) (ما من نبي إلا ورعى الغنم)، لأنكم تعلمون أن رعاية ومتابعة وتفقد (الماعز) و(الضأن) أمر شاق، ويتطلب يقظة وانتباهاً عالياً جداً.. لفطنة الأولى (الماعز)، وتمهل الثانية (الضأن)، فأنت إذن باليقظة والحنكة والنية السليمة والسعي لانفاذ الخدمات تكون تحت غطاء (الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، ثم ألسن الخلق أقلام الحق- كما ذكرت لكم يوماً- والتجربة خير برهان.. ومن أتق الله جعل له مخرجاً وزرقه من حيث لا يحتسب.. وللحكم أوجه ومضارب وتحسبات.. أما بعد التراهة عندي (المؤسسية)، وهي مصطلح مستحدث في أوجه التعامل الخدمي والجماهيري.. وهو متفرع عن (إنجاز وإتقان الأداء)، إذ طبيعياً يصعب على الفرد أو المتفرد أن يقضي أمراً? كما ينبغي- وينال قناعة وسماح الآخرين وهي (سنة الحياة) هكذا لا تتأتي إلا لمتطابقات ومتعاونات وهي الإشارة الحكيمة (وتعاونوا على البر والتقوى..) وحتى في العدوان (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وهكذا تجد أن الفرد المخلوق إن تأملته وجدته في كل عضو قد أسس على أفرع متعاونة حتى وإن تراءى لك أنه عضو واحد.. خذ (الرأس)، ثم (اليد)، الواحدة ثم (الصدر)، ثم (البطن)، ثم (العجز)، ثم ( الرجلين)، ناهيك عن دواخلها كلها.. فإذن لتكون ناجحاً وطموحاً أصنع لنفسك تراكيب وهياكل وإدارات وهيئات تسند اليها خطة وإدارة وانجاز المأمول.. وهي أدرى بملاحقته طالما دمت عليها قائماً.. وقل لهم كل مرة كما قال الشاب الصحابي (معاذ بن جبل) لصاحبه (إجلس بنا نؤمن ساعة) أي نراجع ونتأمل ثم نمضي سوياً على صراط مستقيم.. فأنت بذلك قد صنعت مؤسسات وخبرات تأخذ عنك (كرأسٍ) حملاً وثقلاً عظيماً.. ولا تبخل عليهم (بحوافزك) المناسبة.. فإنهم سيبدعون.. وسترون ما أقول لكم.. أما (خامس) المرتكزات القيادية (الظرفية) هذه.. فهو (الوجه الحسن) وأعني به جمال وأناقة المظهر.. وطلاقة الوجه.. وطيب السريرة إذ هذا يجذب اليك نفوس الطاقم.. وجماهير الأمة.. وأنت صاحب وأهل دراية وممارسة على واقع الوطن وما يعايشه من تطورات، وبخبرتك تكون أنت دائرة تلتقى عندها كل الأمواج.. لك (أمير) أعلى لا يسعك إلا أن تلتف دائرتك عنده.. مع حلقات وعظائم الوطن الأخرى.. وأنت هنا بؤرة نظر للآخرين وقدوة.. فلابد أن تكون جميلاً فإن الله يحب الجمال.. وطليق الوجه في غير تراخٍ أو تهاون في مساعي الناس.. ولكنك قدوة في حديثك ومشيتك ووجهتك فبهذا أنت قوي.. والمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من غيره.. وبطبعك لا تتردى لمزالق الزهو والخيلاء، بل أنت (خباب بين الإرت) و (مصعب بن عمير) و(الشفاء بنت عبد الله) الانصارية.. ثم نقول: عليك بالخماسية القيادية الظرفية (الدراية والإبتدار و النزاهة والمؤسسية والوجه الحسن) والله من وراء القصد.. وهو يهدي السبيل.