عندما يكون المرء خارج السودان فإنه يجد نفسه «تلقائياً» يقارن بين حال الشوارع وحركة نقل ومواصلات الناس بيننا والاخرين.. في مثل هذه المدن والعواصم .. للأسف الشديد الخرطوم دائماً مهزومة في مثل هذه المقارنات ومنذ صافرة الحكم الاولى «والقصة ليست لها علاقة بالإمكانيات» أنا أعرف دولاً أقل بكثير من حال السودان وهي بالنسبة له عالم «رابع» ومع ذلك تمتاز بحركة مرور انسيابية ولا تعرف شيئاً اسمه أزمة مواصلات ولكنها تتمتع بعقل «خلاق ومتطور» يعرف كيف يصنع من الفسيخ شربات. الخرطوم تعاني من أزمة مواصلات قديمة ومستدامة تظهر وتختفي وهي بين الفينة والأخرى كعنوان واضح على تأرجح ازمة الحكم والسياسة في السودان وركودها في بحيرة ساكنة لا تعرف مياؤها حرية أن تذهب وتتدفق للأمام!! ü أزمة المواصلات مشكلة مستعصية وعنوان واضح لوجود تخلف يلازم القرارين السياسي والإداري والقضية لا تحتاج لأي أدلة وبراهين فعنوان تقدم الدولة وحضارتها يكمن منذ الوهلة الأولى في نظرتك الأولى لحركة انسياب المرور وتوفر وسائل«النقل» التي تنقل مواطنيها من مكان لآخر!! أضرب لكم مثلاً بالدروشاب شمال حيث توجد منطقة كاملة تضم أكثر من «5 مربعات» لا زال سكانها يحلمون منذ قبل الميلاد «ق. م» بخط مواصلات ينقلهم مباشرة إلى بحري «لا زال الناس يسيرون على الأقدام أو يركبون الركشات لملاقاة المواصلات القادمة من الكدرو أو من داخل أحياء الدروشاب الجنوبية». تعاقب الحكام والحكومات ولم يتحقق هذا المطلب الجماهيري القديم لسكان الدروشاب حتى لحظة كتابة هذا العمود..!!، هذا مثال فماذا عن مواصلات الحاج يوسف المعروفة، وأم «بدات» والكلاكلات والجريفات وما خفى أعظم!! ü جئنا للخرطوم ووجدنا أزمة المواصلات قد اطلت بوجهها الكالح القديم و«كأنك يا أبزيد ما غزيت»!! وسؤالنا الذي نطرحه دائماً ما هو سر تجدد الأزمات المرتبطة بحياة المواطنين اليومية من مواصلات ومياه وغلاء أسعار طاحن!! من الذي يقوم بإنتاج وتعبئة هذه الأزمات وتوزيعها ك«سلعة» يومية من المعاناة تزيد الحياة رهقاً فوق رهق وتعاسة فوق تعاسة.