رجل دولة من الطراز الأول.. ومناضل خلف الكواليس، وما أعجب الكواليس التي هو خلفها محاور تارة... ومعارض تارة، ومهنئ ومبارك ومشجع، ومعترض ومحتج تارات وتارات. دخلت مكتبه لأمر ما، ووجدته صاحب رأي ومشورة، وعجبت لإحاطة من حوله به، وأخذ رأيه فى كل الأمور.. وإذا بمكتبه مشروع دولة مضغرة لا ينقصها إلا البيان التلفزيونى وعلم السودان.. وإذا به أول المعينين لرئيس الدولة وأفرادها الكرام، وأول المعارضين لها، وأول... وأول..... الم أقل إنه رجل من الطراز الأول . تجده مدافعاً، وأحياناً منبهاً لبعض الثغرات كثيراً وكثيراً.. ورأيه سديد وواضح، ولا يخاف فى الحق لومة لائم... قرأ ما كتبت، وقرأت ما أراد قوله، بين كل هزة من هزات رأسه الهادئة الرصينة، ووجدت منه كلاماً قوياً، ورأياً واضحاً: هذا الكلام لا يستحق إلا النشر.. ولم يكن الرجل يهذي ولا يجامل, كان صادقاً ونفذ كلامه، ومد لي يده بكل صدق.. نعم أنا أكتب منذ أعوام عمري، ولكن كان النشر على يديه، وجدته في بعض الأحيان جلداً وغيوراً على كل حرف في المقال، تارة رافضاً وتارة معلقاً، ومؤجلاً للنشر لتكتيك هو أعلم الناس به، فهو يدري متى ينشر ومتى لا ينشر. في بعض الأحيان هو رجل من رجال الدولة، وأحياناً هو من أفراد أسرتك، ودائماً تجده جلاداً غيوراً على الكلمة.. تعلمت من أستاذي الكبير محجوب فضل بدري، كيف تكون الشفافية في قالب الغموض وكيف تكون هي التلاعب بالكلمات. جسور، صلب ورؤوف، يمسك القلم وكأنه يمسك بسلاح مليء بالذخيرة، وتارة تخيله وبنفس اليد يمسك شتلة فل يغرسها في قلوب محبيه، هو رجل برائحة الفل والبارود. من لا يشكر الناس لا يشكر الله. وأنا أشكر الله كثيراً كثيراً.. وأشكره على أن منَّ علينا برجال أكفاء وأقوياء، أمثال صاحب القلم الرسالة.. محجوب فضل بدري.. لم أكتب مقالي هذا للنشر لأنني أدرك مدى تواضعه، وعدم رغبته في الإطراء، فهو يفضل أن يكون الجندي المجهول، ولكننا لا نجهل إعلامنا.. في مرة من المرات نشر لي الأستاذ مقالاً، فقال لي: مقالك نشرت معه صورة الرئيس عمر حسن أحمد البشير،وكان المقال لتهنئه الرئيس، وعلم أني لم اقرأ المقال بعد النشر فثار ثورة غيورة وقال: (ما ممكن نوجه وننشر ليك، وكمان نشتري ليك الجريدةيا أستاذه.. صدق الأستاذ والله.