الحكومة الجديدة-نظرات وتأملات شهدت بداية هذا الأسبوع دخول الحكومة الجدية مرحلة أداء القسم لممارسة نشاطها دستوريا وهي حدث سياسي يستحق النظر والتأمل والقراءة بما تيسر من العقل والموضوعية فما يميزها عن غيرها من حكومات سابقة كانت عريضة شيئا ما وهي تضم احزابا انسلخت من كيانات أخرى كالاتحادي المسجل والأمة الصادق الهادي والاخوان المسلمين فضلا عن مكونات سياسية من الشرق والغرب وأنصار السنة المحمدية انها ضمت اليها هذه المرة الحزب الاتحادي الأصل أي بزعامته الروحية والسياسية ولذلك معناه ومغزاه حيث كما ذكرنا من قبل للحزب الاتحادي الأصل رمزيته التاريخية والحالية ذلك انه: كان له دوره البارز في المعارضة وهي تتجمع وتتخذ لها جسما معارضا للنظام القائم عرف بالتجمع الوطني الديمقراطي الذي كان السيد الميرغني زعيمه وراعيه وكان الحزب الأوثق صلة بالزعيم قرنق وبمركزي انطلاق المعارضة في القاهرة وأسمرا معا ونضيف الى هذا كله ان الحزب الاتحادي الأصل في غياب مرجعيته الروحية والسياسية لايبقى منه شئ يذكر بالنسبة لمن يعارضون الشراكة في الحكومة العريضة رغم أن تجمع (ش ش) الشيوعي والشعبي يؤكد أنه يقوى موقفه الداعي لاسقاط النظام ويدعمه.. لقد ظهر على المسرح السياسي في الأيام الأخيرة شئ جديد بالفعل وتجسد في جماعة شبابية تحاصر اجتماع قيادة الحزب في مركزه المعروف بجنينة السيد علي وأخرى تدعو زعيم حزب الأمة القومي للرحيل والتنحي ثم ثالثة وهي الأبشع تلك التي حاصرت ندوة حزب الأمة الداعمة للثورة في سوريا وقذفت الدكتور غندور القائد بالمؤتمر الوطني والمتحدث في الندوة بالأحذية وزجاجات المياه الفارغة والعبارات النابية..!! بيد أن ذلك كله وان عول عليه تحالف (ش ش) لايعني غير أن دخول الاتحادي في الحكومة الجديدة وخروجه بالكامل من المعارضة لايعني غير أنه يضعف سعيها الحثيث لاسقاط النظام وليس غيره وان بدا الحزب الشيوعي هنا أكثر عقلا ذلك انه ومنذ ظهور ما يعرف بالربيع العربي وحلم البعض بأن يتحقق في السودان كان الأستذا نقد شيخ اليار (حفظه الله) يقول لاربيع لدينا وانما (كتاحة) والكتاحة معروفة بقسوتها وعنفها وما تجلبه من توترات وفي رواية مضار حسية ومعنوية. ان الاتحادي الأصل وقد دخل من باب الحكومة الجديدة وفق مرئيات وترتيبات وبرامج وكان له حظه من المواقع الدستورية والتنفيذية الاتحادية والولائية لن يظل متفرجا فيما يجد من تطورات سالبة اذ المطلوب هو الاستقرار واصلاح الحال ولب المنافع في حقبة جديدة وعليه فالمرجو أن يكون دوره في الحكومة الجديدة اضافة لا خصما ولذلك كله مداخله ووسائله وآلياته وان كان هذا كله في النهاية عمل مشترك يدلي فيه كل بدلوه فالمؤتمر الوطني وله خبرته في الشراكة السياسية مع الحركة الشعبية SPLM وآخرين لابد أن يدرك ما يجب فعله. لقد غاب الاتحادي الأصل عن السلطة وادارة الشأن العام لفترة طويلة ولاتخلو تجربته في المعارضة في الخارج (التجمع الوطني الديمقراطي) من ثقافة العنف السياسي الا انه وقد ظل بعيدا عن تجمع أحزاب جوبا بعد السلام وتحالف قوى الاجماع الوطني وأخيرا عدم التحالف والتعاطف مع تحالف كاودا والحركات المتمردة صارت له مواقفه الأكثر عقلانية على الساحة السياسية. والمؤتمر الوطني وهو الشريك الأكبر في الحكومة الجديدة والذي لديه الى حد كبير مفاتيحها كوزارة رئاسة الجمهوية والدفاع والداخلية والمالية والعدل..الخ ولذلك ما يبرره عمليا وموضوعيا نجد أنه بسعيه في الفترة الأخيرة لجذب الآخرين اليه والتعاون معهم قد دخل فعلا في مرحلة الاعتراف بالآخر وعدم اقصائه ولا سيما في هذه المرحلة المفصلية والمليئة بالتحديات وهذا يحمد له. وفي سياق عملية الجذب والتعاون وعدم الاقصاء هذه يشكر له أيضا جهده في الوصول الى وثيقة الدوحة وترتيباتها التي شملت الاقليم والمركز كما يشكر له سعيه الدؤوب في الحاق حزب الأمة القومي بالشراكة السياسية وتوابعها. ويتعين أن نشير في هذا السياق الى أن تسمية السيد العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي مساعدا للسيد رئيس الجمهورية وقد قبلها وأدى القسم ستكون جسرا للتواصل مع حزب الأمة القومي وكيان الأنصار وبغض النظر عما قيل ويقال ونحب انها خطوة ايجابية لغاية ولها مدلولاتها ومراميها السياسية: السيد عبد الرحمن الصادق هو الأكبر سنا في الأسرة والأكثر قربا من والده ومشاركة له في المراسميات اذ كثيرا ما كان يظهر الى جانبه في تنقله على ظهور الخيل من المنزل الى المسجد أو أي مكان آخر بل هو قائد ما عرف بجيش الأمة ابان المعارضة فيا لخارج ومن ذلك الباب كان الأكثر خبرة ومعرفة بالحركة الشعبية ورموزها. وما دام للزعامة والامامة في الاسرة والحزب ترتيباتها فان العقيد عبد الرحمن (مساعد رئيس الجمهورية) سيكون الخلف لخير سلف بعد تجاربه السابقة والأخيرة. ولابد أن في هذا كله بعد نظر صادف هوى لدى الطرف الآخر والأسرة رغم ما جرى ورشح من افادات من أن العلمية شخصية وليست سياسية. فهل استثمر المؤتمر الوطني في المستقبل أم رضي بالحكمة القائلة (ما لايدرك جله لايترك كله) اي (شئ خير من لاشئ) وذلك مؤشر حسن نية لابد أن يكون له مردوده الايجابي وما يشير الى ذلك كثير ذلك ان حزب الأمة القومي لم يعد على وفاق كامل مع المعارضة التي باتت تجمعا يساريا أكثر منه أي شئ آخر وان اندرج فيها وانخرط حزب المؤتمر الشعبي الذي تحاول قاعدته هذه الآيام ترتيب أوراقها وقياداتها حسب ما صدر من تصريحات مسؤولي الحزب وحسب ما خرج به المؤتمر العام المركزي الأخير للحزب الذي مال لصالح السيد أحمد الطاهر حمدون على حساب الشيخ ابراهيم السنوسي القيادي الكبير في الحركة الاسلامية والأكثر قربا من الشيخ الترابي اذ انتخب حمدون مسؤولا للمركز. من جانب آخر ونحن نبدي هذه النظرات والتأملات في الحكومة الجديدة بأبعادها المختلفة نسأل: أولا: اذا ما كانت ستلبي ما هو مطلوب منها وهو كثير بطبيعة الحال؟ ثانيا: واذا ما كان المؤتمر الوطني والحزب الحاكم قد ربح فيها وكسب أكثر مما خسر؟ ولا ريب او شكل في أن لكل من السؤالين موقعه من أية تحليل سياسي يتناول هذا الحدث السياسي ذا الأبعاد المختلفة. بالنسبة للسؤال الأول نقول ان توليفة الوزارة الجديدة على ذات النسق السابق تقريبا تعني مواصلة المشوار في المجالات المعنية وهي الأمن القومي والدفاع والاقتصاد والعلاقات الخارجية ثم أكبر التحديات وهو النفط الذي أوكل ملفه مرة أخرى الى الدكتور عوض الجاز (الستيني من العمر) الذي له خبرته ومعرفته بذلك المجال وكانت تجربته الأخيرة مع الصناعة ناجحة أيضا فهو رجل عمل لاينقص من قدره انه معمر سياسيا وتنفيذيا شأن الدكتور المتعافي وزير الزراعة في الحكومة الجديدة فهو أيضا معمر تنفيذيا. وما لايقل عن تحدي النفط وبما يفوق هو تحدي المياه داخليا واقليميا ودوليا فهو الملف الحاضر أكثر من غيره في الفترة الأخيرة ولابد أن غياب المهندس كمال علي محمد وزير الري السابق والأكثر خبرة محليا واقليميا سيشكل عقبة ذلك أن حرب المياه قادمة وقد وضعت اسرائيل قدمها حيث المنابع والكل في بلادنا يشكو العطش والجفاف غير ان ما يطمئن ان خلفه له خبرته أيضا. أما عن المكسب ولاخسارة في الحكومة الجديدة بالنسبة للحزب الحاكم فنقول ان المكسب هو الأكبر وهو الذي حدا بالوطني الى الدخول في سلسلة حوارات وتفاهمات مع جهات كانت تعارضه وتسعى لاسقاطه منذ يومه الأول بيد أنه لامستحيل في السياسة بل هي فن الممكن وعدو الأمس صديق اليوم كما يقولون. لقد كسب الوطني بتجريده المعارضة من أحد أعمدتها وأركانها وهو الحزب الاتحادي الأصل ومد جسرا للتواصل مع الأمة القومي وكيان الأنصار ويعد ذلك كله خصما على مهددات الأمن والاستقرار مما يشكل اضافة كبيرة للحزب الحاكم هذا فضلا عن أن من دخلوا في التركيبة الوزارية الجديدة ستكون لهم اضافتهم ومشاركتهم في انزال برنامج الحكومة على الأرض. انها نظرات وتأملات في الحكومة الجديدة نرفد بها الأخوة قراء (آخر لحظة) عبر المشهد السياسي اليوم ونرجو أن يكون فيها ما يفيد.