لم يقبل أطفال ولايات السودان على التعليم في بداياته الأولى نظراً للصورة التي انطبعت في أذهانهم، بل وفي أذهان آبائهم عن إفساد التعليم المدني لأخلاق الأطفال، ولم يستمر هذا الإعراض عن التعليم طويلاً بعد أن انتشرت المدارس وأسهم فيها أولاد البلد بالتدريس.. إلا أن الصورة التي لم تتغير كثيراً هي صورة جلد التلاميذ من قبل المدرسين، وصورة المدرس الذي يحمل طباشورة في يده اليمنى وسوطاً في يده اليسرى، وهذه الصورة أبعدت الكثير من الأطفال عن المدارس وأدت إلى هروب الكثير من التلاميذ ونفورهم عن ارتياد دور العلم وساحاته. أذكر أن أحد المدرسين في المدارس الأولية التي درست فيها هذه المرحلة كان قاسياً وغليظاً تجاه التلاميذ، وكان أحد أقراننا قد قصَّر في أداء واجب، وعندما اقترب المدرس منه لعقابه أخرج شفرة حادة «موس» من حقيبته وقطع رأس لسانه حتى يتفادى بفعلته هذه عقاب المدرس، إذ رأى أن قطع لسانه أفضل من عقوبة الجلد المبرحة من مدرسه، وسالت الدماء على الكنب وحُمل التلميذ إلى الشفخانة التي تجاور المدرسة والتي حولته بدورها إلى المستشفى الكبير لأن رأس اللسان قد انفصل تماماً ووقع على الأرض . نعم بفهمه وخياله وتصوره أفلت من العقاب ولكنه ظل حتى يومنا هذا «يلغلغ» وماسبب ذلك إلا قسوة العقاب وغلظة المدرس. كثير من التلاميذ النابهين هربوا من المدارس وتركوها لتعرضهم للجلد المبرح من قبل بعض مدرسيهم.. ومهما كان الجلد قاسياً أو مؤلماً فلن يجد التلميذ من يناصره، لأن لحم التلميذ وهبه أهلوه إلى المدرس ليترك لهم العظم.. أى يتدخل الأهل فقط عند حدوث الكسور والرضوض أو الموت . المنهج التربوي العلمي لايعتمد عقوبة الجلد وسيلة للاستيعاب والفهم، بل ويحرمها للآثار النفسية السالبة التي تؤثر على ناشئة التلاميذ، بل وتأتي بنتائج ضارة ربما تلازم شخصية المضرور حتى كبره. والمدرس في مراحل التعليم الأولى يقتدي به تلاميذه ويقتربون منه كلما كان قريباً وينهلون منه كل مايعلمهم إياه فهو قدوتهم ومثالهم . قال عتبة بن أبى سفيان لمؤدب ولده «ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاح نفسك فإن عيونهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما استحسنته، والقبيح ما استقبحته، علمهم كتاب الله وروّهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه، ولاتكرههم على عمل فيملوه ولاتدعهم فيهجروه ولاتخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه». المدارس الحكومية والخاصة في بلادنا تمارس عقوبة الجلد.. وبعض الجلد لاتفسير ولاتوصيف له إلا لدوافع غير تربوية عندما يكون غليظاً وكثيراً ومتواصلاً، وبخراطيم المياه السوداء التى تُرمى في باطن الأرض لنقله إلى الصنابير.. وقد نقلت الصحف عاهات وكسوراً، بل قهراً وإذلالاً لنفوس وهامات تتطلع إلى مستقبل ربما تجهضه صدمات نفسية بفعل ضرب وجلد غير مستحق، والجلد فى الشرع عقوبة حدية . السيد وزير التربية والتعليم الدكتور فرح مصطفى والسادة وزراء التربية فى الولايات أصدروا الأوامر والتوجيهات الصارمة بمنع القراية أم دق .