نفحات من عبق العقيدة الصافية قد بدأت انسيابها على عدد من ساحات أرض الأبطال الذين شحذوا همم البشر، وجعلوا منها منارات تستمد أنوارها من ضياء مواقع النجوم، وتنشر أريجها مدراراً يعمرُ القلوب ويُنير الشِّعاب والدروب.ارتعدت فرائض الطاغوت عندما رأى عُمَّار داره من طواغيت الإنس تتهاوى عروشهم ويتلاشى سلطانهم تحت تأثير ضربات موجعة وجَّهتها شعوب أرهقت كواهلها أثقالُ الظلم، وضيَّق عليها الاستبدادُ مناكب الأرض على رحابتها. ويمتدُّ الربيع بأنماط ورود الوعود العامرة بألوان الطيف المُبشِّر بغدٍ هو الأمل المُرتجى لأمم مضرَّجة بدماء جراحها الغائرة، فصبرٌ جميل أيها القابضون على الجمر، فإن الفجر قادم، وبوادره تُقرأ بين السطور كالأسطورة أو قل كالطُّرفةِ التي تحكي عن قائد يتهرَّبُ من مسؤولياته، وينكر علمه بالموت الذي ظهر بالصورة والصوت والرائحة، لقد أنكر علمه بفتاةٍ خُلعت حنجرتها الصادعة بنداء الحرية في جمهوريته الفاضلة، وعمر بن الخطاب يرتعد خوفاً وخشية من مسؤوليته تجاه دابَّةٍ تتعثر في سيرها بأرض اليمن. عضُّوا بالنواجذ على ما أنجزتم وتنجزون، وتمثلوا سيرة حَمَلةِ رايات فجر الإسلام، وانهلوا من مَّعين سيرهم فهو خير مُعِينٍ لكم على دروب الحياة، تقلَّدوا إيمانكم سيرة وسريرة لتعملوا على تغيير صورة المسلم لدى غير المسلم، فقد كان أجدادكم يحملونه قرآناً في الصدور و كتاباً في السطور.. منارتان تستند كلُّ منهما إلى أختها وإن تضلَّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى. الفكر أضحى سيِّد المواقف فعليكم به، تعهدوه بإشراقات المبادئ التي ازدان بها إسلامكم وتقلدها من قبل سلفكم الصالح، وأخذ بروحها بل بذواتها غير المسلمين، وبدأت شرائع الغرب والشرق تُدخلُ في قوانينها أحكاماً هي من صميم شرع الإسلام تبيَّن لأصحابها الأثر الإيجابي المنطوي عليه القصد من فرضها، فهي من هدي نور هذه العقيدة التي أشرقت قبل خمسة عشر قرناً من الزمان، إن لكم من الموروث قدراً قيِّماً، وإن أحسنتم التعامل معه كما فعل الرُّوَّاد من قبل فإنكم بلا ريب ستسودون كما سادوا. أكملوا المسيرة بتحطيم ما بقي من اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، واشرعوا في الخلاص من جاذبية التبعيَّة غربية كانت أو شرقية، وهي التي لجأ إليها حكامكم لتحميهم وتحمي لهم أموالكم المنهوبة، اصنعوا لأنفسكم محوراً ذا قدرةٍ مستمدة من فكر العقيدة وحِكر خيرات ما قدَّر الله لكم من أقوات الأرض وكنوزها، وتعاملوا مع الأمم الأخرى على مستوى نِدِّيَّةِ الأخذ والعطاء مع الثقة بأن ما عندهم يفنى وما عندكم بإذن الله يبقى لأنه يستمد حياته من قبس السماء. قلِّلوا من الجرأةِ على كراسي الحكم، فإنها مقاعد من نار لا يألفها تكالُباً إلا مفتون بعرَض الحياة الدنيا، وراغب في نعيمها الزائل المستند إلى أكتاف المحرومين من الأمة، إنها أمانة فاعتوروها على مضض، واعتبروها فرض كفاية، ولا يقدم عليها منكم إلا من ملك مِقودَ نفسه ونهاها عن الهوى المضلِّ وهداها لهوى محجة الرسالة الخاتمة المرتدية لحُللِ الاستقامة والعدالة. انصتوا لجانبٍ من أقوال الذين قالوا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من غير المسلمين، فهذا واشنجتون إيرفنج في كتابه (محمد وخلفاؤه) يقول (كان عمر شديد الاستقامة والعدالة والتمسك بهما، وهو الذي وضع أساس الدولة الإسلامية ونفَّذ رغبات رسولها وثبَّتها)، بنظرة ثاقبة تصطحب أبعاد كل كلمة من هذه الكلمات نستطيع أن نرسم شرعةً ومنهاجاً لمسار أمة هي خير أمة أخرجت للناس، تؤمن بالله وتترجم هذا الإيمان سلوكاً وقدوة يعمرها الحوار واصطحاب الرأي الآخر على مبدأ الجدال بالتي هي أحسن والاهتداء بهدي التي هي أقوم.