إذا كنا نريد لسودان العزة والكرامة أن ينعم بالاستقرار والأمن والطمانينة ويعيش في سلام ووئام، وإذا كانت حكومة القاعدة العريضة أو الحكومة الموسعة الائتلافية التي تكونت من 14 حزباً وفي معيتها 70 وزيراً تريد أن تقود السودان إلى مراقي الرقي المضطرد التي نصبو إليها ويتمناها أي سوداني مفعم قلبه بحب هذه الأرض الطيبة، إذا كنا حقاً نسعى إلى تجسيد كل تلك الأمنيات الصادقات وتحويلها إلى واقع معاش وملموس، فإننا نقول وبملء الفم: إن من أهم الأولويات التي ينبغي بل يجب أن يطلع بها قادة الحكومة الموسعةفي معية المؤتمر الوطني فإنها مطالبة ومواجهة بوضع خطة إسراتيجية قصيرة الأمد وليست طويلة الأمد فيما يتعلق بالبطالة والعطالة الضاربة بأطنابها في أضابير المجتمع السوداني بالدرجة التي باتت تنخر في جسدهكما ينخر السوس في العظام ونحن حقيقة نسعى سعياً حثيثاً إلى إيجاد مجتمع سوداني معافى خالٍ من كل صنوف العطالة بشتى ضروبها، فهنالك العطالة المقنعة والقسرية وكلاهما يمثلان حجر عثرة في طريق تقدم البلاد اقتصادياً ومهنياً وسياسياً واجتماعياً.. ونستطيع أن نقول إن الحكومة الموسعة أو الحكومة العريضة التي انبثق فجرها في هذه المرحلة الهامة من تاريخ السودان تبقى المسؤولية مباشرة في ضرورة وضع الحلول الناجعة للحد من البطالة والعطالة التي انتظمت كل مدن وفيافي وأرياف السودان الحبيب في العاصمة والولايات بالدرجة التي بات معها ثلاثة رجال عاطلين عن العمل في كل بيت، وهي ظاهرة خطيرة قد تقود الشخص العاطل عن العمل إلى اللجوء إلى طرق ملتوية لتوفير لقمة العيش لذويه أو لتامين مستقبله المظلم الذي بات في كف عفريت بسبب عجز الدولة عن توفير العمل الشريف لخريجيها الذين صرفت عليهم عوائلهم دم قلبها لكي يتعلموا ويتحصلوا وينالواأسمى الدرجات العلمية في أحسن التخصصات حتى يخرجوا للحياة العملية وهم رجال مسلحون بالعلم والمعرفة، ولكن المحصلة في نهاية الأمر تكون وبالاً عليهم وعلى أسرهم بسبب عدم إيجاد الوظائف المهنية التي تتناسب مع قدراتهم وتخصصاتهم فيكونوا عرضة للبقاء في قارعة الطريق يندبون حظهم العاثر الذي أوقعهم في حضن العطالة والبطالة التي حارت معها كل قواهم في فك طلاسمها وسبر أغوارها، بحيث يكون الفرد عالة على ذويه ومعارفه رغم تخرجه ورغم شهاداته العلمية العالية. لقد أصابتني الدهشة وشعرت بأن هذه الدنيا قد باتت ضيقة بالفعل عندما علمت بأن مدينتنا الحالمة العزوزاب وأبناء عمومتهم في ودعجيب وبعد إحصائية دقيقة قام بها نفر من المقهورين والمغبونين والمغلوب على أمرهم، حيث تبين أن هاتين المدينتين يتكدس فيهما أكثر من«7500»خريج من ذوي التخصصات العلمية الرفيعة من جامعات السودان المختلفة وهم لايجدون عملاً يقتاتون منه، ويعملون في الأعمال الحرة الشاقة لسد الرمق وعدم الاعتماد على ذويهم لكي ينالوا منهم مصروفهم اليومي، فمنهم من يعمل عامل بناء ومنهم من يعمل سائق ركشة ومنهم من يعمل سائق أمجاد وهنالك من يعمل في صيد السمك بالطرق البدائية، وكل ذلك من أجل كسب لقمة العيش الشريفة وعدم مد اليد للآخرين للسؤال والتسول. يحدث كل هذا وولاة الأمر ينعمون في رغد العيش ويتقاضون رواتبهم العالية ويعيشون في قصورهم الفارهة ولايابهون بما آل إليه حال الرعية.. حيث لايتمثلون بما كان عليه الفاروق عمر ابن الخطاب الذي كان يتفقد الرعية والناس نيام لكي يقف على أحوالهم ويعيش مشاكلهم ويسعى إلى حلها.. أما في زماننا هذا فكل فرد يقول نفسي وعشيرتي وعلى الباقي تدور الدوائر.. وقد كان الدكتور محي الدين الجميعابي صادقاً وأميناً وشجاعاً وهو يقول عبر قناة دبي الفضائية في إحدى المداخلات التحليلية للوضع السياسي الراهن في السودانإن ثورة الربيع العربي في السودان إن قدر لها أن تنطلق فإن شرارتها الأولى ستكون من أتون القابضين على جمر العطالة منذ أكثر من خمس سنوات أو عشر سنوات وهم يحملون شهادات التخرج دون أن يجدوا المكان الذي يأويهم كخريجين لهم وزنهم ومكانتهم في المجتمع السوداني.. ومايحزنني حقاً هو أن مكاتب العمل المنتشرة في أرض المليون ميل مربع تقف عاجزة عن تأهيل هذه الكوادر من الخريجين وتتحجج بحجج واهية لامعنى لها خصوصاً وأن المحاسيب وذوي القربى يجدون الطريق سالكاً ومفروشاً بالورود والرياحين لتقلد الوظائف التي تروق لهم بينما غيرهم يتمنون أن ينالوا أي وظيفة حكومية حتى ولو كانت حتة باشكاتب . إننا ومن منبر آخر لحظة هذه المطبوعة التي لاتعرف التثأوب ننادي رجالات الحكومة العريضة الموسعة التي ضمت بين طياتها كل ألوان الطيف السياسي أن يضعوا هذه المعضلة الكبرى ضمن أهم أولياتهم إن كانوا بالفعل قد جاءوا لخدمة الشعب ومعايشة مشاكله اليومية من بطالة وغلاء أسعار وما إلى ذلك حتى لاتندلع ثورة الربيع العربي التي يراها البعض بعيدة المنال بينما يراها البعض الآخر بأنها وشيكة، بل ربما تكون قاب قوسين أو أدنى إن استمر الوضع على ماهو عليه وتُرك الحبل على الغارب بلا ضابط ولا رابط واستمرت هذه الظاهرة الخطيرة واتسعت رقعتها واستفحلت. أخيراً وليس آخر أصدقكم القول بأن ابنة أخي وهي خريجة طب وأدت الخدمة الإلزامية وتأهلت علمياً بصورة لامثيل لها بدرجة نالت معها لقب نائب اخصائي، ورغم ذلك فهي تقف على الرصيف دون أن تجد المكان الملائم الذي يتوافق مع شهاداتها العلمية فكان أن اختارت العمل في إحدى الشفخانات إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وحقيقة فنحن نجسد قولاً وفعلاً مقولة أنه لاكرامة لنبي في وطنه، ودقي يامزيكة ومدد ياسيدنا الشيخ.