ويأتي مظفر النواب.. وتأتي معه كل تلك الفروسية والجسارة والشجاعة.. تأتي معه حروف كما المشاعل تلون كل السماء.. تأتي معه بعض من بذاءة يبغضها الناس إلا في ذاك الموضع.. تأتي معه صيحته وهو يقول.. هذا الطريق لا يؤدي الى البصرة.. وهذا العنوان أعلاه لا يقود الى حقول المناحات، والعنتريات، وأعلام التحرير التي تقف محلها لمدة ستين سنة وتزيد، وهي تخفق في الفضاء ترقص مع دفقات الريح.. ولكنها لا تتقدم خطوة واحدة نحو إيلات ولا النقب.. ولا حتى الى زقاق يؤدي الى باب المغاربة.. مهلاً أحبتي أنا لا أتحدث عن فلسطين، ولا عن تبادل الأسرى، ولا عن غزة، ولا رام الله، وحتى لا تنتاشني السهام المستعدة أبداً في حالة انطلاق، لكل من تسول له نفسه أن يتحدث عن ديمقراطية اسرائيل، ولا عن مفاوضات يراها البعض عبثية، ويراها آخرون خيانة.. لا.. لا بحديثي اليوم أسجل موقفاً.. ولكن وحتى لا تنفجر في وجهي الهتافات الداوية، وذاك الزعيق من الذين يحفظون تلك الأسطوانة التي كاد أن يمسحها كثرة الدوران، وأكف ترتفع كل يوم.. كل يوم، وهي تبتهل في دعاء حار، وأصوات تتهدج.. اللهم انصر فلسطين.. اللهم أهلك اليهود.. اللهم انصر الشيشان.. اللهم سدد خطى المقاتلين في كشمير، أقول حتى لا يظن بي أحد انكساراً، أو استسلاماً، أو موالاة للكفار والصليبيين، أو انبطاحاً أو إعجاباً بعصابات الصهاينة المجرمة، أقول نعم أنا اتمنى أن تعود فلسطين الى الفلسطينيين و(بس) بلا ضوضاء، ولا ضجيج ولا هتافات، وبلا مزايدة، وبلا ادعاء بطولات، فقط أقول إني أدهش وأعجب أن تصبح قضية فلسطين هي القضية الأولى في أجندة أي عاصمة عربية، وأعجب أكثر من نضال فلسطيني بدأ منذ عام 65 من القرن الماضي، وما زال يتقهقر ويتراجع وينهزم، ويفقد كل يوم شبراً من الأرض.. وقافلة التحرير في كل بقاع الدنيا تنتصر وتسترد أرضها، وترفرف راياتها، ويرحل عن ديارها الاستعمار، وهي التي بدأت رحلة النضال بعد الأحبة في فلسطين بعقود وسنوات، وأتذكر نكروما غانا.. وسيكتوري غينيا.. أتذكر جومو كينيا.. وكنغو لوممبا.. وكل تلك الرايات التي انتصرت بغير شعارات كاذبة وادعاءات جوفاء، وبغير حتى ضوضاء، إلا تلك الضوضاء التي يتردد صداها عبر مرتفعات وهران، أو أدغال غابات كينيا الأزاهر.. نعود الى الموضوع.. موضوع شاليط، لا شأن لنا باعتقاله أو أسره.. كل الذي يهمنا في أمره هو حروف نهديها الى حكومتنا، ليس كلها، بعرضها وطولها وائتلافاتها.. فقط نهدي تلك الحروف الى السيد وزير خارجيتنا.. وله نقول- رغم أنه يعرف ذلك حرفاً حرفاً- نقول إن الدولة الغاصبة دولة اسرائيل وقفت على أمشاط أقدامها شعباً وحكومة ومعارضة ومتشددين، ويسار و(فلوترز)، أولئك الذين هم كالطرور.. يطفون على سطح الماء بلا رأي ولا قرار، ولا حتى هدف، وقفت هذه الدولة بكل مكوناتها خلف (زول) واحد من شعبها اسمه شاليط، وهنا يأتي المثال الذي لا يعجب كثيرا من المزايدين والزائفين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب.. بل هؤلاء الذين حتى مجرد الإشادة بأي بادرة أو لمحة أو قرار أو عمل يأتي من اسرائيل، إنما يضع قائله أو كاتبه في خانة الخونة والعملاء.. ومجالات اليهود والنصارى والاستلاب، وخيانة الأمة، وطعن موروثاتها، وضرب نضالها.. ذاك النضال الذي هو فقط في المسيرات والتظاهرات، والشعر المنظوم، والنثر المهضوم، وشاشة الجزيرة في برنامج ذاك المهرج الأرعن- فيصل القاسم- رغم هذه الموجات من المتوقعة من التخوين أقول إني شديد الدهشة والعجب.. بل والإنبهار من ذاك الإصطفاف الكبير من دولة كاملة وبكل أركانها، خلف مواطن واحد من مواطنيها، وكيف هي مقدسة حياة المواطن في وطنه.. وكيف هي قيمة عالية، صيانة إنسانية إنسان واحد، رغم الثمن الباهظ والتضحية الفادحة.. وبكرة نواصل.