قالوا: (إذا هبت رياحك فاغتنمها).. ففهم بعض الباحثين عن (أعذار لخطاياهم) بأنه إذا القت عليك ريح نحسٍ مفاتيح الإذن للدخول إلى آفاق ومواقع رحبة تخول لك سرقة النفوس والأموال، سرقة الأحلام والمنجزات- سرقة التاريخ- وحتى سرقة الأوطان فافعل!! وتتعاظم (قيمة) السرقة بحسب المسروق والضحية.. فمن يسرق من قوت الكادحين الذين يضعون (للقرش) قيمة كبرى.. تكون جريمته أعظم (مع أن مفهوم السرقة لا يتجزأ).. فمن يسرق جنيهاً أو ملياراً يحتمل وصفاً واحداً.. لص وسارق.. من يسرق في جنح الظلام مقراً بطريقة ضمنية بأن ما يفعله جريمة وعيب وعار.. لذا فهو لا يستطيع مواجهة الناس.. (ومن يسرق في وضح النهار مجاهراً بالسرقة زيادة الأسعار.. غش الميزان.. بيع سلع تالفة.. أحدهم لص خجول والآخر سارق على عينك يا (تاجر).. يحكى أن لصاً دخل منزلاً بسيطاً بعد أن حمل من منازل الأغنياء ما خف وزنه وغلا ثمنه.. وعندما لم يجد ما يسرقه ترك لصاحب المنزل بعض المال على المنضدة ورسالة كتب فيها (والله زمان قايل نفسي أفقر زول في الدنيا.. النايم ليها شنو؟)!! لقد نام صاحبك يا هذا بعد أن ملأ قلبه الصبر والرضا!!.. وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (أول من يدخل الجنة فقير متعفف ذو عيال).. وجاءه رجل من أهل الصفة وقال له: يا رسول الله (ذهب أهل الدثور بالأجور يصومون كما نصوم ويصلون كما نصلي ويتصدقون بفضول أموالهم).. فقال عليه السلام (سبق درهماً ألف دينار.. ألا إن بكل تسبيحة صدقة.. وكل تحميدة صدقة.. وكل تهليلة صدقة.. والله إن الفقراء ليدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام).. وقد كان رده عليه السلام شفاء من الغبن والإحساس بالدونية في سعة الأرزاق وقدرة الأغنياء على فعل الخير بأموالهم.. الغريب أن أغلب السارقين من الأغنياء الذين أعماهم الطمع وحب الزيادة واستمرأوا صمت العوام الذين يأكلون أقواتهم حتى أصابت أولئك التخمة وهؤلاء سوء التغذية. إن السرقات المعنوية وقعها في النفوس أشد.. فكم من سارق جاحد سرق سنوات العمر الوضيئة وكلل باقيها بالسواد ورمى بالزهور في صحراء الجحود.. وكم من سارق برع في نهب القلوب خداعاً وكسر حواجز التحفظ ولوث الوجدان ببصمات مشاعره السيالة التي فتكت بالأفئدة وأكثرت الآهات وأهدرت الدموع ومزقت أثواب العفاف..!! إن السرقة (خشم بيوت).. هناك من ينهب بقايا طعام ليملأ به بطنه الطاوية.. ومن يسرقون أوطاناً إئتمنتهم عليها الشعوب دون أن يرف لأحدهم جفن. زاوية أخيرة: قال الشاعر يسرقون الكحل من عين القصيدة ينكأون الجرح ويزيدون اصطلائي.. سرقوني ثم مروا فوق جرحي وانتظاري.. فوق حزني وانكساري.. فوق نزفي واحتضاري!!