ذكرت في المقال السابق بعنوان (كُلٌ مُيسرٌ لما خُلقَ له) أنني عدت إلى وزارة التربية والتعليم بمحافظة البحر الأحمر.. بعد فشلي في العمل بالتجارة.. ذهبت إلى بورتسودان.. وقدمت نفسي إلى مكتب التعليم.. وكان على رأسه الأستاذ منصور حسن أمين يرحمه الله - مساعداً للمحافظ. وقد سبق أن عملت معه في مدارس البنات.. عندما كان يرأس القسم بوزارة التربية.. وكنا على معرفة.. فأشار بإبقائي معهم بالمكتب، وكان بالمكتب فطاحلة من رجال التعليم الذين عرفتهم خلال عملي بالوزارة والذين سمعت عنهم.. والذين لقيتهم ولم أعمل معهم، كان هناك الأستاذ بحق المرحوم بإذن الله - عبدالعزيز علي محمد صالح رئيساً لقسم التوجيه.. وقد زاملته في بربر.. وكان أستاذاً له (شنة ورنة) في مدرسة بربر الأميرية الوسطى.. عندما التحقت أنا بمدرسة بربر الأهلية كمعلم مبتدئ.. وإن لم نكن نعمل تحت سقف واحد إلا أني تعلمت منه الكثير.. وسعدت به رئيساً لقسم التوجيه للمرحلة الوسطى بمكتب بورتسودان.. وكان هناك الأستاذ حسن عواض.. والأستاذ حسن أحمد عيسى .. والأستاذ الخير ساتي.. والأستاذ محمد طاهر حمد الذي زاملني الدراسة الثانوية.. و كان زيراً للقصر في عهد الرئيس النميري لفترة.. وعاد لمكتب تعليم البحر الأحمر وأميناً لإحدى أمانات الاتحاد الاشتراكي.. ثم مارس بعض الأعمال الحرة.. وكان هناك الأخ العزيز الأستاذ يوسف مجذوب الذي زاملته في مدرسة بربر الأهلية الوسطى.. وكان أستاذاً سابقاً وذا خبرة تربوية عندما تعينت بعد إكمالي المرحلة الثانوية.. فكان لي أخاً ومعلماً ومدرباً وزميلاً.. عمل يوسف منذ التحاقي على أن يصنع مني معلماً.. فكان يحضر معي الدرس.. ويناقشني فيه.. ويعلمني كيفية تقديمه.. وأين أقف في الفصل.. ويسألني عن ما أتوقع من أسئلة الطلبة.. ويتبرع بإضافة الأسئلة التي لم تخطر ببالي.. ويدخلني معه الفصل حيث أجلس في الصف الأخير وأشاهد طريقة إلقائه الدروس.. تزاملنا فترة ليست بالقصيرة ثم تفرقنا بالنقل.. وانقطعنا عن بعض.. حتى شاء حسن حظى أن التقى به مرة أخرى.. وكان مفتشاً أولاً لشؤون الطلبة والمعلمين.. وعينت مساعداً له.. فتعلمت منه كل صغيرة وكبيرة عن هذا القسم.. جزاه الله عني خير الجزاء.. وأذكر أن السيد سر الختم الخليفة عليه الرحمة.. زار بورتسودان وكان وزيراً للتربية واستقبلناه في المطار، فلما رأى هذا الجمع علق قائلاً (متحف مدام سو؟) كان نائب مساعد المحافظ المرحوم بإذن الله.. حسن حامد خليفة في إجازته السنوية عندما وصلت.. وجاء بعد الإجازة وأقر وضعي.. وهو رجل ذكي.. يحفظ الإحصائيات في ذاكرته.. وسياسي اتحادي صميم.. خرج مع المعارضة.. واجتماعي محبوب.. مرن في تعامله.. موفق في حل المشاكل المستعصية.. احتج بعض نظار المدارس أنني أرسل إليهم خطابات من المكتب تحوي أوامر وتوجيهات.. وأوقع عليها باسمي.. وبينهم من يفوقني بدرجة (واحدة).. دافع عني بأنه خولني التوقيع إنابة عنه.. وعملت في المكتب مع الرجل المريح العلامة الأستاذ جعفر محمد عثمان - يرحمه الله - وهو الأديب.. والشاعر.. واللغوي والإداري واستفدت منه كثيراً في مجالي الشعر واللغة.. وكان بقسم المرحلة الابتدائية الأستاذ أحمد الزبير، والأستاذ عبدالرحيم بدوي والأستاذ أرباب وفي شؤون الموظفين الأخ حمدنا الله ومن الموظفين إبراهيم (كار) وفي الطباعة الزميلتين فاطمة.. وفاطمة.. وفي قسم التغذية الأستاذ فكي الكليف.. رحم الله من لقي ربه وأمد في عمر من بقي.. وبنقل الأستاذ منصور.. حل محله مساعداً للمحافظ الأستاذ بشرى محمد يحى - يرحمه الله.. وتم في نفس الوقت نقل الأستاذ حسن حامد.. واستدعاني الأستاذ بشرى في مكتبه وقال.. أنا ما سبق لي العمل في مكاتب التعليم - وكان نقل من معهد التربية - وقد سألت الأستاذ حسن حامد قبل سفره مع من اشتغل.. قال: رد عليّ بأن اشتغل معك أنت.. قلت شكراً على تزكيته.. ولكن بالمكتب من هم أكبر مني عمراً.. وأكثر علماً... وأقدر إدارة.. قال.. صاح.. ولكنك أصغر منهم سناً.. وأخف حركة.. وأخذ يستدعيني.. ويكلفني بكل ما يريد.. بلغ به الحد أن قدمني للسيد كرم الله العوض محافظ المديرية في إحدى زياراته للمكتب.. وقال.. ما أسأل الله أن يجزيه عنه خيراً في آخرته.. وفي هذا الجو التعليمي.. وبين هؤلاء الإخوة المعلمين.. وبين الإحصائيات.. والتنقلات.. والتعيين.. وجدت نفسي التي ضاعت مني في محاولتي زرعها بالسوق.. وشعرت بالتطور في معرفتي.. وفي خبرتي العملية.. وحتى في تجربتي الشعرية سعدت كثيراً بأيامي في بورتسودان.. وتعلقت بها كثيراً.. ومازلت.. ويسعدني الآن ما أسمع عنها.. من تطور وتنمية وعمران في ظل جهود واليها الدكتور محمد طاهر إيلا... واتمنى أن تسمح لي الظروف بزيارتها قريباً.. والتمتع باجترار الذكريات مع ابن خالتي التوم أبشر التوم.. وعمي - ليس سناً - عمر سند وبقية من كنت أجد أنس الحياة بينهم.. إضافة إلى الأخ الفاضل عبدالله مسعود.. والعمل في أي مكان لا يخلو من مواقف طريفة.. أو تجارب تزيد الإنسان خبرة في حياته.