أكثر من أربعين يوماً والمناصير يلتحفون السماء ويفترشون الأرض على مقربة من مقار حكومة نهر النيل (ينتظرون) حكومتهم لإنصافهم من ظلامات يعتقدون إنها حاقت بهم بعد قيام مشروعات السدود العملاقة بولايتي نهر النيل والشمالية والتى واجهت صعوبات في التنفيذ للإحتجاجات الشعبية التي بدأت في مناطق المناصير أكثر ضجيجاً من الحماداب وأمرى لأسباب نسعى لاضاءة جزء منها حيث تيسر لنا بعض من معلومات أفرجت عنها إدارة السدود بعد أن تصاعدت قضية المناصير داخلياً بالإعتصام المعلن أمام مبنى حكومة الولاية كتعبير حضاري متقدم جداً من مواطنين حظهم في التعليم والتطور والثقافة والنمو أفضل من غيرهم في السودان الجديد وثقافة الإحتجاج السلمي والتعبير الناعم ينبغي تشجيعها لتسود في بقية أنحاء البلاد كبديل موضوعي يتسم بالحضارة عن العنف المسلح والتمرد وإستخدام الذخائر في التعبير عن الظلامات وبلادنا أقعدها العجز عن إستنباط الحلول لأمراض يسهل علاجها لكن طبيعة السودانيين في المكابرة والإعتزاز بالنفس وبالرأي والفكر أضحت داء عضالاً زلزل القناعات بالحوار وأرسى أدب القوة لقهر أصحاب الحقوق. .. وحتى اليوم وبعد مضئ بضع وأربعين يوماً على إعتصام المناصير أمام مقر حكومة نهر النيل أقام الفشل هناك مأدبة غداء وعشاء وحفل بهيج والخرطوم تغني وترقص على أنغام مخملية في ليلة رأس السنة والمناصير في الدامر يلسع جلدهم برد الشتاء القارس!! مع أن حكومة الجنرال الهادي عبد الله يحسب لصالحها ويكتب في صحائفها إحتمالها لإحتجاجات المناصير ورفضها لنصائح بعض (الغوغاء) بإستخدام القوة لقهر المظلومين والبطش بهم وطردهم من ساحات مبنى الحكومة الولائية وبمقدور الحكومة أن (تتحامق) وتأخذها العزة بالإثم وتستحضر ماضيها في قمع الإحتجاجات و (يتحسس) الفريق الهادى مسدسه ويشير لشرطة النجدة والعمليات (بتفريق) الإحتجاج ونظافة الساحات ولكن الفريق الهادى أنضجته تجربة ال (22) عاماً في السلطة وأكسبته مناعة ذاتيه في إحتمال من يقول لا للسلطة.. رغم أن المهندس محمد الحسن الحضري وزير الدولة بالسدود يرفض الإعتراف بعجز الحكومة في إستنباط حلول ولو مؤقته تؤدي لفك (الإختناق) عن حكومة نهر النيل ويتمسك المهندس الحضرى بتقارير ودراسات شركات كندية وألمانية وسودانية إتفقت على حقيقة واحدة «لا جدوى إقتصادية من إقامة مشروعات للزراعة من بحيرة السد وإن الطمي يحول دون نهوض المشروعات وتنسف تلك الدراسات خيارات التوطين المحلية من جزرها» ، لكن هل القضية التى أثارها المناصير قضية حقوق في الحيِّز الجغرافي نهر النيل أم قضية سياسية أُلبست ثوب المحلية؟. قميص الخيار المحلي: المسكوت عنه هو الأصل ونصف حلول الأزمات في (المحافير) المدسوسة والكلام غير المباح الحديث عنه وللمناصير قضية كما تبدت من مظاهر الاحتجاج لا صله لها بالتعويضات وخيارات التوطين.. فقد أقبل الشايقية والبديرية والدناقلة والعرب على المعالجات الحكومية التي تم إقرارها إقبال الرضيع على ثدي الأم لعدالة الحلول والإغراء الذي قدمته الدولة حتى أتهمت في مناطق أخرى من السودان (بالتحيز) ضد مطالب سكان آخرين مثل الذين نهضت على أرضهم مشروعات التنقيب عن البترول أو مصانع السكر في بحر أبيض.. أجزلت الدولة العطاء في تعويض إنسان فقد أرضه وذكريات طفولته ونخلاته التي توارثها أباً عن جد ولم تجد إدارة السدود حرجاً في تعويض النخلة الواحدة (على الجدول) بسعر 500 جنيه لتبلغ عدد الأسر التي تم توطينها في الحماداب (800) أسرة وفي أمرى نهض مشروع التوطين بوادي المقدم لتوطين (3) ألف نسمة وحينما بسطت إدارة السد خيار توطين المناصير طوعاً في وادي المكابراب ومنطقة كحيلة شرق رفض المناصير ما أرتضاه سكان آخرون في أمرى والحماداب (الملتقى) لأسباب (يسكتون) عنها وهي ضعف مشاركتهم ونفوذهم في السلطة مركزياً وولائياً وتحت بصر المناصير عشرات الوزراء ومئات الموظفين الكبار في الدولة من مناطق صغيرة لا تفوقهم عدداً ولا تتقدمهم ولاءاً للدولة ومشروع الحزب الحاكم وحمل قميص (يوسف) بعض المثقفين في المركز الشيء الذي أعتبره المهندس محمد الحسن شهادة إثبات على أن قضية المناصير تم (تسيسها) من جهات تصطاد في المياه سواء كانت (عكرة) كما هو الحال في فصل الخريف أو (صافية) كما هو حال ماء الشتاء والصيف وللحضرى شواهد وأدلة على إنحرافات لجنة الخرطوم عن مهامها في متابعة التعويضات مع الحكومة وإدارة السد إلى الطواف على دور الأحزاب من حزب الأمة حتى المؤتمر الشعبي!! بيد أن حديث المهندس الحضري لا يمثل ألا نصف الحقيقية فالنصف الآخر أغمض المهندس الحضري عينيه من رؤيته.. فالنخب والمثقفين والطليعة هم من يقودون التغير وتبصير الجماهير حتى بحقوقها وكثيراً من الحقوق أُهدرت والظلامات حاقت بالمواطنين لجهلهم بحقهم وكم من مناطق في هذا السودان الذي كنا نباهي بمساحته المليون ميل مربع قبل أن تتناقص بتغير الحكومة لجغرافية الوطن أصبحت ضحية لجهلها بحقوقها وقيادات المناصير من اللجنة التي تنشط في الخرطوم تجاوزت رؤيتها لمصالح الجماهير في (الحقل) لحقوق أخرى كالمشاركة في السلطة من المركز وحتى شبري التي قال المهندس الحضري في (تنوير) يوم الأربعاء الماضي لعدد من الصحافيين إن معتمداً في حكومة نهر النيل قد عين على شبري من أهلها ولكن المشكلة لاتزال تراوح مكانها.. وتبسيط الحلول في المشاركة الرمزية داخل حكومة نهر النيل تعيد للأذهان حكم التاريخ القديم والحديث من كل الشعوب والأمم فالطليان أعدموا موسوليني الذي شيَّد روما الحديثة، وتقف المدينة حتى اليوم سامقة بنهضة عمرانية كان موسوليني هو رائدها.. ولكننا في معالجات قضايا صغيرة تعوذنا الرغبة الأكيدة في وضع حلول مستدامة وإرساء قواعد عادلة كالتي وضعها أمير المؤمنين عمر الفاروق هو يحكم لمدة لم تبلغ ال (9) سنوات وأبوبكر الصديق لمدة عامين وبضعة أشهر فأرسو قاعدة (الصدق أمانة والكذب خيانة) وشتان ما بين خيانة الحاكم وخيانة المحكوم ولوواجهت الحكومة مشكلة المناصير بالصدق وحاورت قادتهم ومثقفيهم حول المنطقة وعلاقتهم بالسلطة لما تطاول الإعتصام حتى كاد أن (يتلقفه) أمبيكي ويضع ضمن جدول أعماله!!. بقرة الخرطوم وضرع الشمال: من قراءة مواقف الأطراف تتجلى (عقدة) المسرحية التي تعرض حالياً في مسرح دامر المجذوب وهو من فصيلة (التراجيديا) السياسية إن قيادات المناصير التي تتبنى خيار التوطين حول السد تسعى لتحقيق هدفين في وقت واحد، أولاً أن ينال المواطنون كامل حقوقهم في التعويض على الأرض اليباب التي لا تنتج إلا أنواعاً من البلح (الردئ) ومحصولات زراعية لا تكفي سكان المنطقة.. وتعويض عن الأرض والمساكن التي غمرها الماء وبعد الحصول على نسبة تعادل ما حصل عليه المواطنون الذين تم توطينهم في (الملتقى).. أن يبقى المواطنون حول بحيرة السد كخيار محلي مضاف لأمتياز (التهجير) أو التوطين الذي (نالوه).. ويندرج ذلك تحت وصف (أكل قطعة الحلوى والإحتفاظ بها)!! ولكن لجنة الخرطوم من أهل المناصير جاءت بشيئاً إدا وهي تطالب بنصيب 2% من عائدات السد ولو أقبلت الحكومة على حلٍ (كهذا) وقررت أن تضع 2% من عائدات السد لصالح المواطنين فإن الحكومة ستواجه بمطالبة سكان النيل الأبيض من قرى الهشابة والأعوج وأبوجبيره والدويم وحتى نعيمة بنصيب مماثل 2% من عائدات مصنع سكر النيل الأبيض وقد يطالب كنانة والأحامدة وعرب جنوبكوستي بنصيبهم من عائدات مصنع سكر كنانة بأثر رجعي!!. ومشروع سد مروي ليس شركة خاصة يتصرف في أموالها المهندس الحضري وأسامه عبد الله بما تمليه عليه رغائبهم وأشواقهم ولكنه مشروع أقتطعت الحكومة من مال المضادات الحيوية لمستشفى الضعين وفرضت الضرائب على المزارع في سنار وأخذت من رواتب الموظفين في مدني لينهض المشروع وتمت (الإستدانة) من المصارف العربية وبيوت المال الأجنبية والحكومات الصديقة وكل السودانيين يساهمون الآن في سداد فواتير السد والكهرباء (تحرق) الجيوب الخاوية وأموال الكهرباء (مجنبة) بعيداً عن وزارة المالية لسداد القروض والوفاء بديون الدائنيين فكيف يستحوذ مواطنون من محلية أو ولاية نهر النيل على 2% من عائدات مشروع مشيد بالبترول وعائدات صادر الثروة الحيوانية..؟؟ وبقرة التوطين والتعويضات من خلال الخيار المحلي تمت تربيتها في الخرطوم من النخب والمثقفين ويريدون لبناً من ضرعها في الشمالية ليغذي العمارات (السوامق) قبل أكواخ الحزن والفقر في منطقة المناصير الذين يستحقون بالطبع وضع أفضل مماهم عليه الآن.. ولكن الإصرار على (الجري والطيران) في وقت واحد مستحيل أن يناله المرء بكدحه وجهده وعرق جبينه وقضية المناصير تصاعدت ووصلت لمرحلة الإعتصام والإحتجاج الحضاري لخطأ إرتكبته الحكومة منذ بداية تنفيذ المشروع حينما وضعت على كاهل الإدارة التنفيذية للسدود مهام التوطين والتعويض وإسترضاء المواطنين و (جردت) حكومات الولايات من صلاحياتها ومهامها فالمواطنون الذين يفترشون الأرض في الدامر مسئول عنهم الهادي عبد الله والفريق علي حامد وأمام الرئيس البشير وأمام مالك السموات والأرض يوم البعث العظيم.. ولا يسأل عنهم المهندسان أسامة عبد الله ولا محمد الحسن الحضري وحينما بلغت المرحلة (الدرب المسدود) لجأت الحكومة للخيار الصواب وطالبت حكومة نهر النيل لتبحث لها عن مخرج لاخطاء لم يرتكبها الهادي عبد الله ولا حسن عثمان رزق ولا فتحي خليل.. ولكن إدارة السد تعتبر نفسها (مكلفة) من قبل قيادة الدولة بإنجاز السدود وتولى الشأن الفني من تفاوض وإشراف هندسي مضاف اليها أعباء التوطين والتعويض حتى لا تتنازع مع جهات أخرى إن ذهبت أي من تلك المهام لغير إدارة السد والتي تواجه عواصف السياسة ببرود جعلها في منأى عن الخوض في قضية لها نصيب في إشعال ثقاب نيرانها.. والسدود التي تجلس على (الذهب والمال) تملك معلومات إن أفرجت عنها لمصلحة الحقيقة تستطيع أن تبدد كثيراً من الظلامات التي تكتسي بها ثبات القضية لكن (السدود) تعوزها البصيرة والرؤية الإعلامية التي تخطط وتنظر بعيداً ولكن الأجهزة الحكومية دوماً تطئمن لأهل الثقة أكثر من الخبرة ويضيق صدرها بالذي (ينظر) وينشرح صدرها لمن يقول (كل شيء تمام ياسعادتك)!!. }}