ضربة البداية كانت إقرارات الذمة لشاغلي الوظائف والمناصب العامة كخطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح لوقاية الدولة والمجتمع من الفساد وطرق الإفساد، ولا يستطيع أحد أن يجزم أن كل المسؤولين قدموا إقرارات الذمة.. ثم لما استشرى الفساد وجأرت المؤسسات القانونية والتشريعية والناس معاً بالشكوى منه، جاءت المفوضية بقرار رئاسي ولكنها لم تر النور لأسباب بعضها منطقي، ثم أقدم وزير العدل على خطوته الجرئية المتوقعة فصب الزيت على النار وبدأت عجلات القانون تدور رغم المتاريس ورغم أنف من جحظت عيونهم خوفاً من الحساب والعقاب.. ثم أخيراً أطلت علينا آلية محاربة الفساد ليحمل أبو قناية القناة والسهام والنبال محارباً لهذا الفساد وهو الذي كان من قبل في بيت المال أميناً له ثم في القصر الرئاسي مراقباً ومتابعاً له.. إنه من أهل مكة الذين خبروا الشاردات والواردات، ويعي تماماً مجنزرات الفساد المالي التي تهرس و تمر كالبرق.. لكن لابد من الاعتراف أنه لا القانون ولا المفوضية ولا الآلية مكتوب لها النجاح ما لم تنسق الجهات المختصة بعد ترتيب بيتها من الداخل لإيقاف الفساد الإداري الذي يؤدي إلى الفساد المالي ثم السطوة السياسية التي نعلمها جميعاً على الإدارة والمال معاً. لقد وضع الطبيب يده ومجساته على موضع الداء وشخصه وحدده ووصف العلاج لإيقاف النزف ثم بعد تقطيب الجرح بإجراءات قد لا تستخدم فيها مهدئات الألم أو التخدير، لأن الجسم من كثرة المهدئات فقد المناعة، وقد يتداعى أو يلفظ أنفاسه، لقد كادت أن تبتر من منظومتنا الإدارية والمالية والأخلاقية المهنية أعضاء طالها فساد الجرح بسبب التقيح وغياب التنظيف وسوء المعالجة وانعدام المتابعة. إن الفساد أخطبوط شبع واستطالت أذرعه في كل المرافق رسمية أو غير ذلك، وهو في حالته هذه يتكيف «على كيفو» رسمياً أو شعبياً ولكل منهجه وأساليبه لدرجة أنه طال حتى «المساكين».. لقد أصبح غلاة المفسدين هم بعض رموز المجتمع، وهم بهذه الرمزية لهم المقدرة على هرس خطوات دوسة القانونية إن استطاعوا أو تعطيل آلية أبو قناية بسحب كل التوصيلات الهيدوليكية الفاعلة في الضغط والكبس لخلخلة وشخصنة الفساد والمفسدين خاصة الجانب الرسمي. لا نخشى على خطوات دوسه من هرس الأفعال لاستناده على القانون الراسخ، ولكن نخشى على آلية أبو قناية التي حتى الآن بلا أذرع سوى قناية أبو قناية المعروف والتي يتطلب أن يكون رأسها مدبباً ونحن نعلم ما يعنيه هذا الأمر. إن كل هبات الشعوب وليدة غبن عن ظلم الحكام والمحاسيب وفسادهم المتنوع والمتعدد الأشكال، لذا وحتى تدرأ الدولة عن نفسها شبهات الفساد والإفساد عليها تمكين القانون المحاسبي والعقابي كما عليها وقد أرتأت تكوين المفوضيات والآليات أن تكون المفوضية مفوضة لا مقيدة والآليات مدولبة ومجنزرة تصلح للعبور فوق كل أنواع ضواحي الفساد، لأنها آلية تطلق يدها ولا تقيد. عندما تتحدث مؤسسة الرئاسة ومجلسنا التشريعي الكبير ومجالسنا الخاصة والعامة عن الفساد يجب أن تتناغم كل الخطى في حالة السير أو خطوات التنظيم، إذا كان الأمر كله لله، ليتم استئصال هذا الفساد الإداري فالمالي فالمجتمعي.. وإلا فلننتظر الطوفان إن لم يكن شعبياً وهو الأهون ف«ربانياً» وهو لا مقدرة لنا عليه في الدنيا والآخرة.