لن أعلق على طرح سوار ولا على طرح علي محمود في قناة الجزيرة حول الموضوع أعلاه سوى أن كلاهما لم يعجبني بينما - فيصل القاسم - كعادته ينجح في «التحريش» بطريقة «المديدة حرقتني» كما عبر عن ذلك الأستاذ سعد الدين إبراهيم. كل يوم أزداد قناعة أن قناة الجزيرة الفضائية رغم دورها الإعلامي الكبير وتغطيتها الموفقة للأحداث الحية وإتاحتها المساحة للرأي والرأي الآخر إلاَّ أن رسالتها الكبرى غير المعلنة والواضحة للمتابع والمحلِّل الإعلامي هي: تحريك الثوابت أو قل هز ثوابت القناعات والتشكيك في المسَلَّمات.. لأجل من ولماذا..؟ هذا ما يحتاج بحثاً آخر ليس من إختصاص الإعلام!!. طرحت قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت هذا السؤال: «هل تعتقد أن الثورة في السودان أصبحت وشيكة؟» الإيحاء الذي تحمله عبارة «أصبحت وشيكة» هو أقوى من: «ربما تقوم الثورة» أو «قد تقوم الثورة» أو « سوف تقوم الثورة» على الترتيب التصاعدي ، بل هي أقوى من عبارة «باتت وشيكة» ، فأصبحت وشيكة تعني أن كل شروط الثورة متوفرة ، ولم يبق إلاَّ إنفجارها ، ثم وضع كلمة «نعم»للتصويت قبل كلمة «لا» ووضع العلامة الخضراء أمام كلمة «نعم» والعلامة الحمراء أمام كلمة «لا» كلها إيحاءات ذكية ، ثم تقدم المصوتون بنعم لقيام الثورة في يوم التصويت الأول بنسبة 83% إلى 17% ثم تراجعهم في اليوم الأخير حتى قفل التصويت إلى نسبة 49% مقابل 50.9% «النتيجة النهائية» هذا يوحي بأنهم كانوا جاهزين مسبقاً ولديهم المعلومة وكانوا منظمين وقيل إنهم فتحوا «لابات» للتصويت. على العموم فإن الإقبال على التصويت في هذا الموضوع كان هو الأعلى في الأسابيع الأخيرة لاستفتاءات قناة الجزيرة ، حيث بلغ مجمل عدد الذين صوتوا «366.48» منهم «769.23» قالوا «نعم» و «597.24» قالوا «لا» بينما بلغ مجمل المصوتين على «هل تؤيد العودة إلى مباحثات السلام مع إسرائيل» «911.14» رغم أن القضية استراتيجية وتهم كل الشعوب العربية والإسلامية ، وذيلت القناة كعادتها نتيجة التصويت بالآتي: «نتيجة التصويت لا تعبر عن رأي الجزيرة وإنما تعبر عن رأي الأعضاء المشاركين فيه» وهذا أمر معلوم بالضرورة ، ولكن الذي تعتقد القناة أنه غير معلوم هو أملها في قيام الثورة في السودان وإلا فما السبب الذي يجعلها تضع السودان على رأس الحزمة الثانية من الدول بعد «تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا» هل لأن نظام السودان أبعد عن الديمقراطية والعدالة من الممالك والإمارات حول قناة الجزيرة.؟أم لأن الفساد المالي والإداري أكبر مما هو هناك؟! وهل تستطيع القناة أن تطرح مثل هذا السؤال في قطر مثلاً.؟ وهل لنا أن نسأل القناة المحترمة ما الذي هزم «بن همام» واستبعده أمام «بلاتر» في انتخابات «الفيفا» غير الفساد؟!. ونقول للقناة إننا بنفس القدر المتاح لنا في نقد نظامنا الحاكم في السودان نتوجه بهذه الأسئلة فهل تستطيع القناة أن تنتقد نظام «الدوحة»الحاكم.!؟ الشعب السوداني شعب معلم في الثورات ، ويعرف متى يقود الثورة ولماذا، وأول ثورة شعبية مسلحة قامت بقيادة الإمام المهدي في القرن التاسع عشر ، وإذا كانت الثورة الشعبية في ليبيا مثلاً غير مدعومة من الجيش فقد كانت ثورة اكتوبر 1964م في السودان قبلها ثورة شعبية غير مدعومة من الجيش ، وذهب الرئيس المقال الفريق إبراهيم عبود مواطناً يمشي في الأسواق مع الناس في أمان ولا أذيع سراً إذا قلت ان أستاذي قمر الدين شميسة في المرحلة الإبتدائية الذي درسني لأربع سنوات في فصل من الجالوص هو نفسه الذي درس حفيدة الرئيس عبود بعد إنتقاله إلى العاصمة ، وإذا جاءت الثورة المصرية مدعومة من الجيش الوطني فإن السودانيين فجروا ثورة أبريل 1985م مدعومة من الجيش الوطني وتذكرون جيداً المشير سوار الذهب فالشعب السوداني ليس في حاجة إلى التحريض على الثورة. ولسنا في حاجة للحديث عن خصوصية المرحلة التي يمر بها السودان كما أننا لسنا في حاجة للتذكير بهامش الحريات المتوفر لهذا الشعب دون سواه من الشعوب العربية ، فضلاً عن التنمية البشرية والنهضة العمرانية التي شهدها في هذا العهد دون سواه من العهود فدعونا وشأننا أيها الأعراب وأصلحوا حال جزيرتكم.