زيارتي للفاشر في الأيام الماضية جاءت لأداء واجب العزاء في عزيز هناك، ولعل العزاءات باتت من المناسبات المهمة التي تجمع الناس كلهم، والتي يحرص الجميع على حضورها، وهذا ديدن أهل الفاشر تواصلاً عند الأفراح والأتراح ومبعث هذا التواصل النبيل نتاج تلاقح حضارات قديمة وأثر مجتمعات عبرت عبر بوابة دارفور. شاهدت الاتساع الكبير والتطور الأكبر الذي شهدته مدينة الفاشر فلقد تناثرت البنايات الشاهقة واكتظت المدينة بالسكان، فالأمن والحركة الاقتصادية هما وراء اجتذاب المدينة لأبناء الريف، حيث تتوفر فيها أسباب الحياة بصورة أكبر ويمكنك رؤية ذلك من خلال اتساع السوق وحركته الدؤوبة، غير انني لاحظت أن أسعار الحبوب بالمدينة وخاصة الدخن الذي يمثل الغذاء الغالب لأهل المنطقة، فالسعر وصل إلى ثلاثمائة جنيه للجوال رغم ذلك هنالك طمأنينة وهدوء لافت، وذلك بالطبع لا يتأتى إلا من خلال برنامج أعدته حكومة ولاية شمال دارفور ونتاجه ما رأيناه وشهدنا من حال. فوجود الوالي ومعتمد الفاشر ووزير المالية والأخ وزير الاتصال والتقانة والإعلام بين المواطنين في مناسباتهم المختلفة أمر يحمد لهؤلاء القادة وله أثره في تقوية الرابطة بين الشعب وقياداته ولعل من أهم مظاهرها ذلك التلاحم الحميم الذي نجده دائماً في مناسبات دارفور أفراحاً وأتراحاً فلحكومة شمال دارفور منا التجلة والشكر، وكذلك أوفر الثناء وأصدق الدعوات لمواطني الفاشر الآبية بالمزيد من التعاضد. فالمناسبات هذه أصبحت بمثابة مؤتمرات تجمع الناس من كل المشارب وتتناول قضايا مهمة على السليقة وتصدع بالرأي فهناك من صوب وهنالك من يذم وفي خاتمة المطاف نجد أن الكل مهموم بالشأن العام بصورة تطغى على شأنه الخاص. لقد قابل مجتمع الفاشر أصداء المذكرة بقلق شديد، حيث يخشى الكل أن تقود إلى فتنه ثانية ولاحظت أن رأي السواد الأعظم الذي لفت انتباهي اهتمامهم الشديد بأمر المذكرة، أنهم يرون أن هنالك ثمة طريق أجدى وأنفع لصف الحركة الإسلامية هو مؤسسات المؤتمر الوطني اذ هي من يقود ويقنن الإصلاحات على الصعيدين السياسي والاجتماعي ولعل لذلك فائدته وميزته لا سيما في مثل هذه الحالات ومن فرط خوف أولئك الذين التقيتهم أنهم تمنوا ألا يعيشوا ليشهدوا انقساماً ثانياً في صف الحركة، وهنالك من يرى بلا مبالغة أن حدوثه بمثابة فتنة وما سمعته من تعليمات قدامى الإسلاميين والقابضين على جمر القضية هنالك لابد أن يتوافق الإسلاميون على منهج لمعالجة الأمور التي تحتاج إلى مساندة أكبر لاجراء التعديلات المحتملة دون حدوث شرخ فالثوب لا يتحمل؟ حفاظاً على الكيان والصرح الكبير فالمذكرات دائماً توسع نطاق الخلاف فلقد لمست حرصاً وهماً وخوفاً مما أسموه الفتنة الثانية التي ربما تطال صف الحركة الإسلامية فهذا هو الأثر السالب المباشر الذي خلفته المذكرة مضافاً إليه الخوف الذي انتشر. عوداً لحال ولاية شمال دارفور حاضرة دارفور منذ زواهر التاريخ أيام عبد الرحمن الرشيد هي تحملت أعباء الإقليم أيام بداية الحكم الإقليمي وتسلم دريج أمانة الإقليم من عصبة الرجال البواسل عقب انتفاضة يناير 1980 وغادرها دون أن يراعي مجاهدات أبطال الانتفاضة، وقدمت شمال دارفور البذل في أحسن صورة حيث باتت قبلة أهل الإقليم؟ كما كانت حيث أنها تتمتع بالامن والطمأنينة فلقد كتبت على الفاشر أن تتحمل ما لا تطيق أيام الصراع، الله لاعدها وكذلك أيام السلام بكل حسابات السلام ومستحقاته، حيث تستضيف كل زائر من داخل السودان وخارجه علاوة على استضافة السلطة الانتقالية بكل إدارتها وحراكها فهي لم تشكو لانها سليلة حكم رشيد تليد، لكن ضخامة واجبها القومي يؤكد الحاجة لوقوف المركز مع هذه الولاية وإيلائها دعماً خاصاً يتسق مع ما تقوم به من واجبات لا تقوى على أدائها في حدودها الدنيا فمساندة الولاية في مثل الظروف المعاشة ضرورة لا بديل عنها ولا معوض لها إلا المركز نفسه، ولا اعتقد أن المركز سيتوانى في دعم الولاية لاجتياز ظروف تمثل مضاعفة الأعباء التي تعيشها ولاية شمال دارفور اليوم؟!