تنشط هذه الأيام حملات بمحاربة العادات السالبة وعلى رأسها «التسول».. لهذا أطرح هذا الموضوع المتجدد مرة أخرى وكنت قد أثرته من قبل.. إذا كان التسول في السودان أسهل من التسول في مصر.. فهذا يعني أن عائده أكبر.. هذه الحقيقة جاءت عبر طرفة رجل الأعمال المصري الذى جاء للاستثمار في السودان بعمالة سودانية.. لكنه غيّر رأيه.. إذ قال تلقى الشحات نايم والناس بتحطلوا الفلوس في الطبق.. وقد حكيتها لكم من قبل. الطريف أنني في عدد قديم من مجلة صباح الخير المصرية قرأت عن زوجة طلبت الطلاق وحصلت عليه.. لأن زوجها ترك خدمة «الحكومة» وعمل عملاً خاصاً ادعى أنه «سمسرة».. لكنها فوجئت بأنه كان يعمل متسولاً.. وأن التسول غيّر حياتهما.. فامتلكا عربة وأدخلا أولادهما مدرسة خاصة.. وطلبت منه ترك مهنة التسول وافتتح مكتباً.. ومرة أخرى فوجئت به متزوجاً من غيرها.. فطلبت الطلاق وقدرت النفقة الشهرية بأربعين ألف جنيه وهي 40% من دخل الزوج.. وقد أثبتت للمحكمة أنه يعمل متسولاً.. فحكمت لها بتلك النفقة.. مما يعني أن دخل الزوج من التسول مائة ألف جنيه مصري.. أي ما يعادل 13 ألف دولار تقريباً.. أي ما يعادل بالسوداني أكثر من أربعين ألف جنيه.. فهل يكسب المتسول السوداني أكثر من هذا المبلغ شهرياً. لا أحد في مقدوره الإجابة.. لكن حكى أحد معارفي وهو ضعيف البنية.. بأن والده تأخر في العودة.. فألحت عليه والدته للذهاب للسؤال عن والده.. «لم تكن ثقافة الموبايل قد عرفت آنذاك».. وكانت ملابسه مزرية.. ولما تعب من الوقوف جلس بجانب عمود قرب محطة المواصلات.. فظنه الناس شحاداً وكانوا يرمون النقود في طرفه- ولما تكرر الأمر خشي من مغبة ذلك.. فنهض وأحصى الدراهم.. فوجدها أكثر من جنيه في زمن أقل من ربع ساعة.. فاذا اعتبرنا ذلك مقياساً.. فإن ساعة الشحاد بأربعة جنيهات.. فإذا كان زمن ممارسة الشحدة عشر ساعات.. فإن يومه يكون بأربعين جنيهاً.. أكثر من مرتب الوزير.. وقد يكون ضعف مرتب وزير الثقافة.. لأنني أتخيل أن مرتب وزير الثقافة أقل من مرتبات الوزراء الآخرين.. من أين جاءني هذا الانطباع.. لا أدري. ولما كان المتسول السوداني متدني المهارة.. سخيف التصرف.. فإنه في حالة اكتساب مهارة أكبر وترشيد التصرفات.. فسيكون الدخل أكبر, لاحظت امرأة في السوق العربي تهم بركوب الحافلة وجاءتها متسولة طفلة.. فمسكتها بطريقة «خلعتها».. ثم مدت يدها.. فضربت يدها محتجة. كما أن شحاداً شهيراً وأحمق يلاقيك هذه الأيام في منطقة سينما كل يوم وهو يطلب منك بطريقة سخيفة.. فإن لم تعطه يوجه لك إساءة بالغة تنتهي بعبارة الله يكتلك.. وهو مفتري فلا يقبل أقل من جنيه.. وإن أعطيته ما دون ذلك.. يرفضه ويجعلك محرجاً. ويوم الجمعة طرق الباب طرقات ملحاحة.. فأرسلت الطفلة لفتح الباب.. فجاءت وقالت إنهم رجال يريدون زول كبير.. فذهبت فوجدتهما شحاد وابنه.. فما كان مني إلا أن قلت لهما الله كريم.. فلو تصرفا بكياسة أكثر وقالا للطفلة قولي لأبيك أعطنا كرامة.. ربما كنت قد أعطيتها لهما ما تيسر. عموماً ما رأيكم.. لمعرفة دخل الشحاد اقترح على قسم التحقيقات في « آخر لحظة» أن يمثل صحافيون أنهم متسولون ويعودا بالحصيلة.. شريطة أن لا يقدما استقالاتهم بعد التجربة.