قبيل انعقاد المؤتمر الصحفي لوفد السودان المفاوض حول النفط في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وجدت نفسي وزميلي الأستاذ عادل الباز رئيس تحرير صحيفة الأحدث الغراء.. وجهاً لوجه مع القيادي بالحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان، ورجل الدولة الجديدة القوي «باقان أموم». كنا عائدين من حدائق فندق الشيراتون بعد تسجيل بعض الإفادات لقناة الشروق التلفزيونية، وعند دخولنا إلى بهو الفندق الرئيسي هبّ نحونا باسماً السيد «باقان أموم» وأخذنا «بالأحضان»، معبراً عن فرحته بلقائنا، وقال لكلينا «يا جماعة انتو وين..؟.. ما عايزين تجو تشوفوا جيرانكم الجُداد؟»، ضحكنا ورددنا التحية بأحسن منها، لكننا قلنا له إننا لم نتسلم منكم دعوة لزيارة الدولة الجديدة.. فقال اعتبروا حديثي معكم الآن دعوة رسمية للزيارة. قلت للسيد باقان:«دعوة غير مكتوبة وغير رسمية ما حتنفع لأنكم متشككون وتقومون باعتقال كل من له رأي فيكم». افترقنا و «باقان» يقول لمن كان معه إن هذين الرجلين هما من الصحفيين المعروفين في الشمال. ظلت صورة هذا اللقاء ومفردات الحوار الذي دار بيننا تدور في ذهني، حتى وأنا أقف أمام المنصة الرئيسية في الممر الكبير المؤدي إلى قاعة الاجتماعات الكبرى في شيراتون أديس أبابا أتابع تفاصيل ومجريات المؤتمر الصحفي الذي عقده أعضاء وفد حكومة السودان المفاوض في قضية النفط، وبرزت أمامي بقوة مواقف «باقان أموم» العدائية لنظام الحكم في السودان من قبل أن يحدث الانفصال، ومحاولاته المستمرة لوصف السودان بالدولة الفاشلة، ثم موقفه بالأمس القريب داخل ذات الفندق وهو يملي على زملائه من أعضاء حكومة دولة جنوب السودان ما يجب وما لايجب عمله، ثم صورته وهو محاط بعدد من المستشارين الأجانب، وكثير منهم من النرويج- حسبما علمت- إضافة إلى وجود كبير مستشاري حكومة الجنوب «ونتر» وغيره. برزت أمامي تلك المشاهد والصور، ثم صورة رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت يمر إلى جانبنا قبل ذلك بيوم، ولا يكلف نفسه تحية مجموعة من الصحفيين والدبلوماسيين السودانيين، كأنما هو في حالة حرب- غير معلنة- معهم، الأمر الذي دفعني لأقول لمن معي إن المجموعة الحاكمة الآن في دولة جنوب السوان تتعامل مع أبناء السودان كأنما لم يكونوا سودانيين ذات يوم، دفع بهم الاستفتاء لإعلان دولتهم الجديدة. وحدثت قصة مؤسفة ومؤلمة بدأت عندما شاهد السكرتير الصحفي للسيد رئيس الجمهورية زميلنا الأستاذ عماد سيد أحمد الفريق سلفاكير وحياه بحرارة واتجه نحوه بحكم المعرفة القديمة التي انبنت عندما كان سلفاكير نائباً أول للرئيس قبل الانفصال، وحياه رئيس دولة الجنوب بحرارة وأخذ يسأل من بعض الناس وهو ممسك بيده، بينما أحد حراسه يحاول إبعاد الأستاذ عماد سيد أحمد بفظاظة عن رئيس حكومته، وأخبر الأستاذ عماد الفريق سلفاكير الذي سأله عمن حاول منعه، فأشار نحوه، ثم ناداه الرئيس سلفاكير وقام بعملية التعريف بين الأستاذ عماد والحارس، وضحك الأول وقال للثاني: يا أخي نحنا لي هسي ما انفصلنا»، هنا اشتاط الحارس غضباً ولم يحترم وجود رئيسه حتى، وقال بغضب: نحن «انفصلنا.. انفصلنا». هذه المواقف والصور والمشاهد تستوجب أن نعيد النظر فوراً في أمر وجود أبناء دولة جنوب السودان، الذين أسماهم السيد باقان أموم ب«الجيران الجدد»، وأسميناهم من قبل وفي إطار هذه الزاوية ب«الأجانب الجدد».. علينا أن نعيد النظر الآن في أمر وجود أبناء دولة الجنوب ولا ننتظر إلى الغد.