قطعاً هناك اجابات لكل التساؤلات التي تُطرح بشأن اوضاع المواطن وما يتعلق بالحكومة والأحزاب المعارضة والحاكمة.. أسئلة دقيقة للغاية.. واجابات واضحة وصريحة بشأن الأحزاب التي تحكم البلاد منذ الاستقلال، قال البروفيسور محمد أبو صالح أنها «ناقصة» ولم تكمل الفكر الوطني.. وأن أحزاب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي والحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» لا يعتمدون الشريعة منهاجاً أو كمضمون وممارسة لم تستنبط النهج الاستراتيجي الذي يوجد في الاسلام.. وقال أبو صالح في حوار مطول مع «آخر لحظة».. «وقد كرمنا بني آدم» إن قوله سبحانه وتعالى يعني أن يُكرَّم المواطن ليعيش «معزز مكرم».. كيف يمكن أن يتجاوز السودان واقعه ليتقدم.. أوراق مكشوفة ومناصحة معلنة.. وكثير من الناس يوصفون الان كأنهم شعب «البربون»!! محاور متعددة.. وآراء كأنها «زرقاء اليمامة» وهي تحذر قومها.. إلى التفاصيل :- اُثير جدلٌ واسعٌ مؤخراً حول المردود والانتاج الفكري لبعض الأحزاب السياسية، في تقديرك هل يتضمن ذلك بعداً استراتيجياً؟ - يقتضي هذا المحور الحديث عن البيئة لتلك التنظيمات، فالمعلوم أن أي تنظيم يسعى إلى الوصول إلى السلطة بهدف ادارة البلاد أو المشاركة فيها، ويعني هذا أن يقوم التنظيم السياسي بانتاج فكر استراتيجي يستطيع أن يحقق من خلاله الحلم الوطني لشعب الدولة، وتحقيق حلم وطني في ظل تعقيدات مثل السودان منها المحلية والاقليمية والساحة الدولية اضافة إلى مشاكل مستقبلية تتعلق بالأجيال القادمة، اذاً الخطوة الأولى هي انتاج فكر استراتيجي مقنع علمياً ومهنياً وسياسياً. ليتعامل مع تلك الاوضاع ليحقق الحلم الوطني. يتردد الحديث حول الحكم الوطني كثيراً.. ما هو المعنى لذلك؟ - مثلاً قضية الهوية، فبعد 56 عاماً لا توجد هوية ولم نصل إلى هوية سياسية واحدة للسودان، وهناك تعقيدات تتعلق بادارة التنوع تحتاج إلى فكر استراتيجي وقضايا تشكل نظام يسود فيه نظام الدولة وليس الأحزاب، وكيف نحقق المشاعر الوطنية في ظل الاوضاع، وكيف نخلق فرص عمل في ظل تعقيدات اقتصادية كبيرة ما بين توازن التكنولوجيا المتقدمة التي تستغني عن العمال وتوفر الجودة، وما بين اللجوء إلى العمالة التي تعني ارتفاع التكلفة وانخفاض الجودة، وقضايا الرُحَّل الذين ظلوا لفترات طويلة في حالة ترحال، إلى متى يستمر هذا الوضع؟! هذا جانب بسيط جداً من الاوضاع المحلية، واذا نظرنا إلى البيئة الاقليمية سنكتشف أن 6 أو 7 من دول الجوار يتوقعون مشاكل، مثلاً مصر انفجار سكاني ونقص في المياه، وأثيوبيا انفجار سكاني وعدم وجود اراضي زراعية بالتالي الهجرة نحو السودان، وقضايا حول الحدود والثروات المتنازع عليها في النفط والمياه، واذا نظرنا إلى الساحة الدولية سنكتشف التنافس الدولي في العولمة الثقافية التي تعني تشكيل ثقافة جديدة تكون فيها للآلية الدولية الخارجية وليس الوطنية، لأن الاعلام الوطني لم يعد قادراً على التأثير في المواطن لأنه يستمع إلى الاذاعة والتلفزيون الأجنبي، والتعليم الالكتروني في طريقه للتوسع أكثر، ودور المجتمع والاسرة تقلص كثيراً، إذاً من يشكل المواطن فكرياً واخلاقياً ليست السلطة. من في تقديرك؟... و56 عاماً من الحكم الوطني كيف يتفق ذلك مع ما ذكرت؟ - فكرة وطنية للتعامل مع الاوضاع الحالية، فيما يتعلق بالعولمة الاقتصادية مطلوب جودة عالمية لتفرض نفسها، وكيف تستطيع زيادة الدخل القومي وتوزيعه بصورة عادلة والاشتراكية والرأسمالية طرحت فلسفة بالمقابل أين الفكر الاستراتيجي الوطني. وكلما تأتي ذكرى الاستقلال نتحدث عن الجلاء والسودنة وخروج المحتل، صحيح هذا جهد وطني نحترمه ونقدره ومن لا يحترم تاريخه لا يحترم مستقبله، لكن السؤال الذي يُلِح هنا والذي يجب أن يجيب عليه كل مواطن سوداني وكل تنظيم سياسي.. لماذا لا يزال السودان يعاني من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية؟ برزت دول كثيرة لا تملك ما نملك من مزايا مثل الموقع الاستراتيجي وموارد طبيعية كبيرة وشعب يتمتع بقدرات اخلاقية رفيعة وتعد حتى الآن من الدول المتخلِّفة.. كذلك سودان اليوم ليس كما هو قبل 50 عاماً. أليس كذلك؟ - صحيح توجد انجازات لا ننكرها، لكن إذا نظرنا إلى دول مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان أنجزت الكثير وهي لا تملك نصف الذي نملكه نحن. وهل هذا بسبب الفكر الوطني؟ - نعم.. لا توجد فكرة وطنية، وبذلك اعني عدم تحديد المصالح الاستراتيجية للسودان التي تجعل النشاط مرتبك ومتناقض ومتضارب عبر عقود من الزمان، وهذا ما يجب الوقوف عنده. الأحزاب السودانية بلا استثناء لديها طرقها واجتهاد متصل نحو الوطن بكل مضامينه كيف يتفق ذلك وهل تعني أن الاحزاب لا تملك فكر وطني؟ - هذا سؤال هام جداً.. كيف ننتج فكر وطني في ظل تنظيمات سياسية لا تملك هذا الفكر «فاقد الشيء لا يعطيه» للأسف مستوى الطرح الفكري لأحزابنا ضعيف ولا يواكب التعقيد المحلي والدولي، لذلك نحتاج إلى انتاج أبحاث، وحوار جاد بين التنظيمات السياسية والمفكرين واساتذة الجامعات حتى نستطيع من خلال هذه الشراكة العلمية والسياسية انجاز المشروع الوطني. دكتور أبو صالح حتى الأحزاب التاريخية مثل الأمة القومي والاتحادي والاتجاه الاسلامي لم يتقدموا إلاَّ وكانت لديهم ايدلوجية معلنة؟ - يمكن أن تكون الايدولوجية مختلفة لكن لنتحدث بوضوح عن الأحزاب الاسلامية أياً كانت اتحادي أو مؤتمر وطني أو غيره، أعتقد أنها لم تستنبط المنهج الاستراتيجي الذي يوجد في الاسلام، وببساطة هل دين الاسلام لا يستطيع ان يُدير الآخر؟ نحن لا نتحدث عن مشروع وطني دون استصحاب الفكرة التي تتعامل معها مع التعقيدات، مثلاً الدولة الاسلامية في يومٍ ما أدارت نصف العالم مع وجود رضاء من غير المسلم وهذا اثبتته الدراسات، لكن السؤال هنا كيف حقق الصحابة هذا الرضاء؟ لأن بادارتهم للدولة وجدت فكرة واضحة وهي المنهج الاستراتيجي في الاسلام، والفكر الاسلامي تجاه الآخر سواء كان مسلم أو غيره، قال تعالى «لقد كرمنا بني ادم» وهذا يعني أن الانسان كُرم من أعلى ويجب أن يكرمه أخاه، والتكريم يعني أن المواطن يعيش «معزز مكرم يأكل ويشرب» وسيدنا عمر بن الخطاب عندما تولى الحكم بدأه بخطاب جميل واستراتيجي قال: «إنما ولينا على الناس لنسُدَّ جوعتهم، ونوفر حرفتهم، ونؤمن روعتهم» أشار هنا إلى الناس عامة وليس المسلمين، وتوفير الحرفة بغرض العمل، وتأمين الروع بعدم اخافتهم من كل المهددات ليست الأمنية فقط بل الأمن النفسي الداخلي، لذلك استنباط الفكر الاسلامي مهم، وبالرجوع إلى السؤال إذا توفر الفكر الاستراتيجي في تلك التنظيمات السياسية السودانية سيلتقوا حتماً على المباديء الاستراتيجية الاسلامية وعلى رأسها العدالة وفرص العمل، إذًا غياب الفكر الاستراتيجي هو الذي أدى إلى تدهور الوضع السياسي السوداني بين الأحزاب. «هي لله » .. والجمهورية الاسلامية وغيرها من الشعارات ألا تمثل فكر؟ - إذا تفهمنا أهمية الفكر الاستراتيجي سنتفق على هدف واحد وهو المواطن السوداني، المواطن السوداني الآن عسكري المرور لا يعامله باحسان، وموظف الخدمة لا يعامله باحسان، والمسؤول القيادي يتهم بالفساد على حساب مال هذا المواطن الذي ينبغي أن يكون الاساس، ولنحقق فكرة وطنية يجب أن نثبت أن يصب كل نشاط الدولة لصالح أمن الانسان السوداني، ونحتاج إلى سلوك الدولة ومعرفة أن الدولة أعلى من الكل، فإذا تحدثنا عن قضايا مياه وبيئة وغيرها تعتبر قضايا دولة وليس الحزب. اذاً أنت تعني لا توجد فكرة وطنية بعد الجلاء؟ - انا شخصياً لم أجد فكر وطني انتجته الحكومات يمكن أن تطوره، نحن نحتاج إلى دور التعليم والاعلام ومنظمات المجتمع لنشر ثقافة الوطن وسلوك الدولة وتعميق روح الدين. يعاني العالم من مشكلة واعترف الغرب بخطئهم في تكريس المال في ايدي قلة منهم حين امتلكت مئات من الشركات حوالي 80% من الدخل العالمي، وهذا خلل كبير فالاشتراكية فشلت في التوزيع بعدالة، لذلك يجب أن نضع فكر وطني لزيادة الدخل الوطني لأننا دولة بها فرصة لعقد شراكات استراتيجية مع العالم بحكم الموارد الطبيعية، غياب الفكر يجعلنا نعطي معادن لشركات دون فلسفة تؤمن فرص عمل، ونعطي ملايين الفدادين لشركات دون فلسفة تلزم هذه الشركات لتؤسس فرص عمل.