رغم وصول صدى مسرحيات الجاليات والفرق المسرحية إلى الأقاليم بالزيارات المتكررة أو عبر الصحف في النصف الأول للقرن الماضي، ورغم ارتباط الحركة المسرحية في شرق السودان بروافد حركة التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي كما جاء في كتاب (حرف ونقطة) للدكتور خالد المبارك، ورغم ارتباط بداية النشاط المسرحي في السودان برفاعة والقطينة، ورغم وجود نشاط مسرحي في مدن سودانية أخرى غير الخرطوم، إلا أن مسرح المحترفين بالمعنى المجازي للاحتراف لم يشغل حيزاً إلا في العاصمة. وحتى في ذات العاصمة لا يوجد نشاط مرصود لحركة مسرح المحترفين، بمعنى عدم وجود مواسم مسرحية راتبة إلا بالمسرح القومي بأم درمان منذ نهاية الستينيات وإلى ما قبل نهايات الثمانينيات، ولهذا كان أي حديث عن المسرح القومي بأم درمان يعني المسرح السوداني، ولا شك أن الأمر كانت له علاقة بصراع الهوية الذي لم يحسم بعد، وبتجاهل التباين الثقافي الذي يمتاز به السودان. كانت مسرحية المك نمر للراحل إبراهيم العبادي إيذاناً ببدء مسرح المحترفين في السودان كما جاء على لسان الدكتور خالد المبارك في جريدة الأيام الصادرة في 15/2/1968م، وهي من مسرحيات الثلاثينيات، فلماذا إذاً بدأ مسرح المحترفين بمسرحية في الموسم المسرحي 67/1968 تنتمي إبداعاً إلى ثلاثينيات ذات القرن في السودان؟، وهذا سؤال كبير يبدهنا به مسرح المحترفين في السودان ويجيب عليه. يقول الأستاذ مكي سنادة في مجلة الإذاعة والتلفزيون والمسرح الصادرة في 31/12/1977: «إثباتاً لفضل المسرح في التاريخ الوطني، تم اختيار أربع مسرحيات عام 1967 وقدمت في أول موسم مسرحي درامي في المسرح القومي، وهي المك نمر لإبراهيم العبادي، سنار المحروسة للطاهر شبيكة، إبليس لخالد أبو الروس والرابعة كانت للفاضل سعيد الذي هو يربط بين الجيلين، الرواد والمحدثين، وكانت تلك بداية المسرح القومي!! وبالفعل لقد كان ذلك ما دفع الراحل الفكي عبد الرحمن مدير المسرح القومي آنذاك، إلى اختيار المك نمر ليفتتح بها مسرح المحترفين في السودان، بل ذلك ما دفعه إلى التدخل المباشر في جوهر النص حين استبدل كلمة واحدة أظهرت المسرحية وكأنها دعوة للوحدة السودانية الشاملة، بينما كانت الدعوة قاصرة على الجزء، فانتماء العبادي العروبي وموقفه من البنية السودانية، ما أتاح له إلا أن يناصر القبائل ذات الأصول العربية، فكانت دعوته لتوحيد القبائل ذات الأصول العربية متجاهلاً القبائل الأخرى، وما كان من الفكي عبد الرحمن مخرج المسرحية، إلا أن يتدخل بإضافة اسم قبيلة الزاندي في أغنية الختام للمسرحية، إشارة إلى القبائل الزنجية. وهكذا هيِّيء للنقاد على مدار تاريخ المسرح السوداني أن دعوة إبراهيم العبادي كانت دعوة تشمل السودان في سودانيته، بينما في حقيقتها كانت دعوة قاصرة على السودان في إقليميته. كان عام 1967 هو عام البدء لمواسم مسرحية انتظمت المسرح القومي بأم درمان كما جاء في كتاب «الحركة المسرحية في السودان» لعثمان علي الفكي وسعد يوسف، ولكن بالرجوع إلى التواريخ الفعلية الموثقة التي تؤرخ لعروض مسرح المحترفين نجد أنها تبدأ بيوم الجمعة التاسع من فبراير من عام 1968 كما جاء في جريدة الأيام الصادرة في الخامس عشر من فبراير من عام 1968 على لسان الدكتور خالد المبارك، وكما أكد ذلك هو نفسه في كتابه «حرف ونقطة» الصادر عام 1980. ويبدو أن بداية الاستعداد للموسم المسرحي كانت عام 1967، ولهذا ظل هذا التاريخ هو المتداول حين الحديث عن بدء نشاط مسرح المحترفين بالمسرح القومي بأم درمان، وربما لأن السنة المالية في السودان كانت تبدأ بيوليو من العام وتنتهي يونيو من العام التالي، وبما أن المك نمر تم عرضها في التاسع من فبراير عام 1968 فهي مالياً تتبع لميزانية العام 67/1968، ولهذا- ولأن المسرح غير مستقل عن الجهود البيروقراطية في السودان- فقد شملت الإشارة إلى السنة المالية، إشارة ضمنية إلى الموسم المسرحي وهذا خلط واضح بين بداية الموسم المسرحي مالياً وبدايته فعلياً بمسرحية محددة. وهذا الخلط ذو الدلالة العميقة ظل مؤثراً على النشاط المسرحي وإلى الآن، فهو الدليل القاطع على تبعية المسرح السوداني لبيروقراطية الدولة، وكل ما ينتج عنها من سلبيات ظلت- وستظل- تعيق الحركة المسرحية ما دامت هذه التبعية. وبما أن اليوم هو التاسع من فبراير، فالتهنئة موصولة لكل المسرحيين في يوم المسرح السوداني بعيداً عن البيروقراطية.