لم تغب السياسة ولا واقع الحال السوداني عن مجموعتنا الصحفية التي بدأت صباح أمس الأربعاء زيارة للمملكة العربية السعودية بدعوة كريمة من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اآل سعود. مجموعتنا تكونت من البروفيسور علي شمو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، وضمت من رؤساء التحرير الأساتذة فضل الله محمد «الخرطوم» والهندي عز الدين «الأهرام اليوم» والنور أحمد النور «الصحافة» وعثمان ميرغني «التيار» وعادل الباز «الأحداث» وضياء الدين بلال « السوداني» وكاتب هذه الزاوية «آخر لحظة»، كما ضمت من كبار الكتاب والصحفيين د. عبد اللطيف البوني والأستاذ طه النعمان، وغاب عن الرحلة الأستاذ حسين خوجلي «ألوان» ليأتي لاحقاً. فندق الحمراء «سوفيتل» في مدينة جدة الجميلة كان المحطة الأولى التي ننطلق منها مساءاً إلى العاصمة المقدسة مكةالمكرمة للتشرف بزيارة بيت الله الحرام وأداء العمرة التي نسأل الله أن يتقبلها منا ومن كل من ذهب إليه بنية خالصة، وأن يتقبل من الجميع صالح الأعمال. أعود لأمر السياسة وواقع الحال السوداني، وقد كان موضوع اجتماعنا على مائدة الغداء ونحن نتشرف بلقاء وصحبة البروفيسور عز الدين موسى الذي وجدناه في مقدمة مستقبلينا إلى جانب عدد من قادة العمل في أكاديمية الأمير نايف بن عبد العزيز للدراسات الأمنية وعدد من أعضاء بعثة السودان الدبلوماسية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة. حديث «المذكرات» كان هو المدخل، ثم حديث «الذكريات» المتصل بالحركة الإسلامية كان هو الموضوع، وقد كان البروفيسور عز الدين موسى أحد المؤثرين بفعل وقرار الحركة الإسلامية منذ العام 1953م إلى ما بعد منتصف الستينيات تقريباً. ويرى البروفيسور عز الدين أن الدكتور الترابي لم يكن له تأثير سياسي قبل العام 1964م، وعودته من فرنسا وبزوغ نجمه مع بدايات ثورة أكتوبر 1964م التي يرى البروفيسور عز الدين أنها كانت (طلابية بحتة) وإسلامية خالصة، لكن اليسار السياسي اختطفها لدقة تنظيمه آنذاك ثم بسبب وجوده الفاعل وسط النقابات، ولم يتفق معه في هذه الرؤية الأستاذ طه النعمان. أما أخطر ما تم تناوله وتداوله في ذلك اللقاء النادر فهو ما جاء على لسان البروفيسور علي شمو حول زوال نظام الرئيس السابق جعفر نميري، وكشفه عن أسرار لا نحسب أنها رأت النور من قبل، فقد قال إن اللواء عمر محمد الطيب النائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك «امتنع» عن استلام السلطة وأن المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب «تردد» في استلامها وأن وجود الرئيس الراحل نميري خارج السودان سارع بالإطاحة به، وأن القشة التي قسمت ظهر النظام كانت هي حملة الاعتقالات التي طالت قيادات الحركة الإسلامية. وأخطر من ذلك ما قاله بروفيسور شمو في اجتماع دعا له الرئيس نميري وضم إلى جانبه نائبه اللواء عمر محمد الطيب ووزير إعلامه علي شمو والمرحوم محمد محجوب سليمان وزير شؤون الرئاسة إضافة لوزير الخارجية، عقب تلك الحملة الواسعة من الاعتقالات وقد مازح البروفيسور شمو الرئيس نميري قائلاً إن وجود الإسلاميين في السلطة يحمي النظام من المظاهرات الطلابية ومن الاضطرابات العمالية والأزمات السياسية لذلك لا بد من البحث عن غطاء سياسي آخر وبسرعة. أخطر من ذلك كله ما سمعه بروفيسور شمو لاحقاً من اللواء - وقتها - الفاتح عروة الذي قال له إن اللواء عمر محمد الطيب قدم تنويراً لقيادات جهاز الأمن أوضح فيه الأسباب والدوافع للاعتقالات، وقال لهم (ما فضل لي اعتقل إلا علي شمو وعوض الجيد).. خرجت من ذلك الحوار المثير بأن تاريخاً لم يكتب بعد رغم أن صناع أحداثه مازالوا أحياء يعيشون بيننا الآن.