لم يعد القطار هو ذلك الصندوق الحديدى.. الذى يسير كالأفعى بلا تعب.. حاملاً الأحباب والزوادة.. وكثيراً من الدموع.. والآهات في جوفه، لم يعد يحمل النسمات ومراسيل الأشواق.. حين يطلق صافرته الشهيرة للعنان.. وصوته المميز لحظة تماس القاطرة بالقضبان الذي يحدث بالحنين والفراق.. والدخان المتصاعد، ويختم على المودعين.. بأن الوحدة هي رفيقكم عند الرجوع بعد أن رحل الأعزاء إلى مدن السودان المختلفة..! زالت سطوة وهيبة السكة حديد.. وفوتت على «الأجيال الحالية» فرصة مشاهدة ربوع هذه البلاد الجميلة المهملة ك «الأحراش» بمنظر مختلف، ومن جانب تكشف عن مكامن ومناطق غاية في الروعة يعجز الناس عن الوصول إليها ناهيك عن تأهيلها والاستفادة منها.. رحل قطار الشوق مع الأشواق المسافرة.. وامتلأت غرف الدرجة الأولى بالبضايع والمنقولات بدلاً عن البشر.. وساد الصمت والتجارة البكماء تلك المقصورات الحديدية.. وحلَّ محل المملكة العريقة طرق المرور السريع والباصات السريعة.. الزاهية الملونة التي تصل إلى أقاصي البلاد. أهملت السكة حديد وزال مجدها.. وسبب لها الإهمال والتجني «حالة نفسية سيئة» واصيبت بإكتئاب حاد.. فما عادت القطارات تفرق بين عربة وشخص، بل تدهس في طريقها كل من يعترض مسارها، والأولوية للقطار في المرور، زائداً إصابته بما سبق من انهزام. لذا كثرت في الآونة الأخيرة حوادث القطارات مع السيارات التي يخطئ أصحابها التوقيت.. فالقطار إذا اقترب وكانت السيارة تمر بشريط السكة حديد فإن الجاذبية المغنطيسية تعطل السيارة وتمنعها من التخطي إلى الجانب الآخر، وآخر خبر «القطارُ يدهس مواطناً».! يفصل جسده.. القطار هذا مساره: وهو الوحيد من بين كل وسائل النقل الذى لا يمكن أن يُغيِّر مساره أو يسير بسرعة أو يتجاوز غيره. ويصبح كل من أصابه القطار في حادث «جاني على نفسه».. سيبو القطر في حالو..! زاوية أخيرة : قطار الشوق متين ترحل تودينا نزور بلداً حنان أهلها ترسى هناك ترسينا، أقوال: ربما..!