الموسيقار الألماني لودفيغ فان بيتهوفن الذى أمتع العالم بموسيقاه وسيمفونياته الرائعة لم تكن حياته ناعمة كما يتصورها كثيرون ممن يستمتعون بموسيقاه عبر العصور، وإنما كانت بائسة، خاصةً خلال سنواته الأخيرة، حيث عانى مؤلف الموسيقى العالمي من المرض والفقر، قبل وفاته في أواخر الربع الأول من القرن التاسع عشر. وفى إحدى رسائله التى كتبها عام 1823، أي قبل نحو أربع سنوات على وفاته، والتى تم العثور عليها مؤخراً في معهد «برامس» للموسيقى بمدينة «لوبيك» الألمانية، إشتكى من سوء أوضاعه المادية، التي كان يعاني منها. وكتب بيتهوفن في رسالته، التي خضعت لعملية ترميم واسعة، بحسب ما ذكرت وكالة «نوفوستي» الروسية للأنباء، قائلاً: «دخلي المتدني، وسوء وضعي الصحي، يدفعاني للسعي إلى تحسين ظروف معيشتي.» وتتألف الرسالة، التي كتبها بيتهوفن بخط يده، من ست صفحات، ويعكس معظمها طلبه من «المحسنين» مساعدته على إتمام مقطوعة «ميسا سولومنيس» وعرضها، والتي تم بالفعل عرضها لأول مرة في مدينة «سانت بطرسبورغ» الروسية، برعاية الأمير نيكولاي غوليتسين. كما شكا بيتهوفن من تردي حالته الصحية، في رسالته الموجهة إلى الموسيقار فرانس شتوكهاوزن، والتي أوصت حفيدته ريناتا فيرت، بإيداعها معهد برامس الموسيقي العام الماضي، ويعتبرها المعهد الألماني وثيقة قيمة للغاية. ويقدر خبراء ثمن الصفحات الثلاث الأولى من الرسالة، والتي تتضمن طلباً واضحا من شتوكهاوزن، بمساعدة بيتهوفن على بيع مقطوعته «ميسا سوليمنيس»، بحوالي 1.5 مليون يورو. ويُذكر أن أبحاثاً سابقة أكدت أن الموسيقي الألماني الأصم كان يعاني من شكل من أشكال التسمم بمادة الرصاص، حيث عثر على مستويات مرتفعة من هذا المعدن في شعره، ولاحقاً في شظايا صغيرة من عظامه. ويعتبر بيتهوفن الذى ولد في عام 1770 وتوفي في عام 1827 من أبرز عباقرة الموسيقى في جميع العصور، وأبدع أعمالاً موسيقية خالدة وله الفضل الأعظم في تطوير الموسيقى الكلاسيكية، وقدم أول عمل موسيقي وعمره 8 أعوام. وكان والده قاسياً يجبره على التدريب على عزف البيانو ساعات طويلة دون رحمة ويضربه إذا توقف، ولما بلغ السادسة قدمه في حفلة ليعزف منفرداً، وفي الثانية عشرة إلتحق بالعمل مع صديق لوالده كان عازفاً في البلاط القيصري فإكتسب خبرة كبيرة في العزف والغناء. ولما بلغ السابعة عشرة إنتقل إلى فيينا وإلتقى ب موتسارت وأخذ منه بعض الدروس في التأليف ولفتت عبقريته نظر موتسارت فقال لأصدقائه: إلتفتوا إلى هذا الشاب فسوف يحدث ضجة في عالم الموسيقى وتشمل مؤلفاته للأوركسترا تسع سيمفونيات وخمس مقطوعات موسيقية على البيانو ومقطوعة على الكمان، كما ألّف العديد من المقطوعات الموسيقية كمقدمات للأوبرا. وعندما أصبح أصماً فى الثلاثين من عمره بدأ في الإنسحاب من الأوساط الفنية تدريجياً، إلا أنه لم يتوقف عن الإنتاج الفني، ولكن أعماله إتخذت إتجاهاً جديداً. ومع إزدياد حالة الصمم التي أصابته، إمتنع عن العزف في الحفلات العامة، وإبتعد عن الحياة الإجتماعية وإتجه للوحدة، وقلت مؤلفاته، وأصبحت أكثر تعقيداً. حتى أنه رد على إنتقادات نقاده بأنه يعزف للأجيال القادمة. وبالفعل ما زالت أعماله حتى اليوم من أهم ما أنتجته الموسيقى الكلاسيكية العالمية. وإكتسبت إثنان من السيمفونيات التي كتبها في صممه أكبر شعبية، وهما السيمفونية الخامسة والتاسعة. كما أنه أحدث الكثير من التغييرات في الموسيقى، وأدخل الغناء والكلمات في سيمفونيته التاسعة، فجاءت رسالته إلى العالم «كل البشر سيصبحون إخوة». وأمضى حياته بلا زواج وكان يرتبط بعدة علاقات عاطفية. وبالرغم من اليأس الذي أصابه في أوقات عديدة، وكاد يصل به للإنتحار، إلا أنه قاوم ووجه طاقته كلها للإبداع الفني.