دفعني الى كتابة هذا المقال.. أمران.. الأول الحوار الماضوي التاريخي الجهير الذي جرى منذ حوالي أربعين عاماً بين القيادي الشيوعي عمر مصطفى المكي.. والشيوعي الخارج على ملته- الشيوعية والمفارق لهم - الشاعر الملهم صلاح احمد ابراهيم - وهذا الحوار أو هذه المقالات هي ذات المقالات التي نشرت آخر الستينات على صفحات جريدة «الصحافة» الغراء، والتي يقودها آنذاك مؤسسها عبد الرحمن مختار.. ولا يخفي جوهر المقالات أو الهجوم الذي قاده صلاح ضد عبد الخالق محجوب أساساً أكثر مما هي نقد للفكر الاشتراكي، أو خروج على النظرية التي لم ينكر صلاح انتماءه لها. ü ومن ترهات ذلك الحوار أن صلاح أطلق على عبد الخالق اسم أنانسي، والذي راق للناقمين على عبد الخالق، والخارجين عن دائرة الإنضباط.. وجدية وصرامة التنظيم.. وفي المقابل اطلق صلاح على خصيمه عمر مصطفى المكي اسم عمر مصطفى شلوخ، إذ إن عمر مصطفى المكي كان مشلخاً على عادة أهلنا في بربر، وهو الأمر الذي يسخر منه الخرطومي صلاح، رغم أن الشلوخ كانت سمة لأبناء الملوك والأعيان، وأولاد القبائل من بادي أبوشلوخ الى عبد الرحمن النجومي، ومن الأمير نقد الله الى النور عنقرة، ومن المعاصرين المشلخين من الوزراء والحكام ثلاثة من وزراء الداخلية فقط، وهم حسب الترتيب الأمير عبد الله عبد الرحمن نقد الله، واحد من أميز الوزراء الذين عبروا بالوزارة.. والثاني هو الشيخ علي عبد الرحمن «الشعب الديمقراطي»، وكان في ذات الوقت نائباً لرئيس الوزراء.. أما الثالث فهو الإداري الراحل عبد الله الحسن الخضر.. وقس على ذلك بقية الوزارات، والمصالح، والعمد، والنظار، والأعيان.. لكن صلاح العاصمي لم يجد شيئاً يأخذه على عمر - بعد دفاعه عن رئيسه- إلا شلوخه.. وهي من بدايات صلاح لخسرانه هذه القضية لميله الى المهاترات.. هذا إذا علمنا أن عمر يعبر عن رأي الحزب والتنظيم، وصلاح يدافع عن ذاته التي استهدفت في تقديره للاغتيال السياسي- حتى لا يكون مصيره كمصير الشاعر شيبون الذي انتحر في أواخر العام 1961م. أحد الزملاء تطرق في مقاله الاسبوع الماضي، ليشبه شلوخ أحدهم بشلوخ عبد الخالق واللواء البحاري، علماً بأن كلا الرجلين غير مشلخ، فلا عبد الخالق محجوب كان مشلخاً، ولا معالي اللواء أحمد مجذوب البحاري- وزير الداخلية السابق، وأحد قادة 17 نوفمبر كان مشلخاً - والبحاري عمي ابن خالة الوالد.. فلا هو ولا الوالد.. والدي أحمد قدور، ولا أجدادي كانوا من المشلخين، وكذلك آل محجوب عبد الخالق وعلي ومحمد محجوب.. فمن أين أتى هذا الزميل بهذه المعلومة، وهو عندما رحل عبد الخالق في العام 1971م ربما لم يكن موجوداً. وعلى الرغم من الاختلاف الفكري والمشارب بين من ذكرت، فقد كان عبد الخالق - رحمه الله - نموذجاً في الوسامة والمظهر المشرف والانضباط.. بل نموذجاً للسلوك الراقي مع الآخرين.. وكذلك كان الرجل القامة المثالي في النزاهة حفيد ملوك الميرفاب وشاع الدين أحمد مجذوب البحاري.