ü طالعت ما نقلته الصحف صباح أمس (الثلاثاء) من إفادات وزير الإرشاد والأوقاف في «الورشة التقييمية والتقويمية لأعمال حج 1432ه» التي انعقدت بقاعة الشهيد الزبير، والتي تحولت إلى «شكلة» بين الوزير وبعض أصحاب وكالات السفر والسياحة، بسبب التصريحات الفاجعة والمتهورة التي أدلى بها السيد الوزير خليل عبد الله. ü وقبل التعليق على معاني هذه التصريحات دعونا نرصد مبانيها وهل يجوز أن تصدر ممن هو في مقام «وزير الإرشاد» الذي يتوقع الناس منه أن يكون في موقف المرشد والموجه، خصوصاً فيما يتصل بأمور الدين والعبادات ودعوة الناس بالحسنى لا بالترهيب والتهديد. ü فبحسب جريدة «الصحافة» فإن الوزير أعلن خلال تلك الورشة عن إجراءات جديدة لموسم الحج المقبل، وأكد عدم التعامل مع أية وكالة تم إيقافها العام الماضي.. إلى هنا يبدو الأمر عادياً ويمكن توقعه. ü لكن الوزير لم يكتف بذلك، بل ذهب خلال مخاطبته الورشة في توجيه اتهامات لبعض الوكالات التي تقوم بخدمات الحج بالتسبب في أزمة نقل الحجاج التي حدثت في الموسم الماضي بمطار الخرطوم، وذهب لاتهامها بالعمل «بطرق غير مشروعة»، وبأن «أموال الضمان التي تقدمها الوكالات نظير تأكيد قدراتها على تقديم الخدمات للحجاج غير كافية، وأن تلك الأموال سيتم إرجاعها للوكالات عند إبراز عقودها مع الحجاج، وضرب مثلاً لذلك بأنه في العام الماضي اضطرت الهيئة العامة للحج لتقديم 100 ألف ريال لإحدى الوكالات بعد أن فشل صاحبها في الإيفاء بالتزامها مع الحجاج». ü الوزير لوح بتقديم استقالته -في حضور القائم بالأعمال السعودي- الذي دعي -من أسف- لحضور هذه الورشة الملتهبة حال عودة الوكالات التي تم إيقافها عن العمل نسبة لارتكابها مخالفات في حج السنة الماضية، ما دفع إحدى أصحاب الوكالات للاعتراض على حديث الوزير، قائلة له إن الوكالات «ستعود للعمل رغم أنفك» وأوضحت أنهم لم يرتكبوا مخالفات تستحق الإيقاف، فاستشاط الوزير غضباً وقال: «لو رجعت الوكالات أنا بقدم استقالتي ونحنا إما نكون قدر كلامنا وقدر الكرسي دا وإما نمشي منو». ü أعلن الوزير كذلك عن منع الأفراد الذين أدوا الشعائر العام الماضي لإفساح المجال لآخرين جدد لم يحجوا، وكشف عن إجراءات جديدة في الحج المقبل من بينها أن تأخذ «الإدارة العامة للحج» الأموال التي تضعها الوكالات لخدمة الحجاج. ü أهم من ذلك، فقد أعلن الوزير أيضاً عن «عقوبات على الأفراد الذين يقومون بالحج بمفردهم أو ما يسمى بالحج الفردي» وهدد بحرمان الوكالات التي تتعامل مع «الحج الفردي»، وقال إن نصيب الوكالات من الحجاج سيكون بمعايير جديدة. وقطع الوزير بمعاقبة أي فرد يحصل على تأشيرة حج «بعيداً عن الطرق الرسمية» وتحدث عن «رقابة إليكترونية» على الحج الفردي، وقال «أي زول داير يحج بالوكالات يمشي في ولايته». ü أما بالنسبة لحج الأفراد المنتمين للمؤسسات الحكومية، فأقر الوزير بوجود «بعض المخالفات» إلا أنه نفى أي اتجاه للاستغناء عنه، وتحدث عن «خلق نظام رقابي ومعايير لتطبيقه في توزيع الحصص».. يعني لا يرى غضاضة في «الحج الحكومي» من حيث المبدأ. ü أكثر من ذلك كله، طالب الوزير ضيف الورشة القائم بالأعمال السعودي، وفي حضور الجميع، بمد وزارته باسماء الذين درجت المملكة على مساعدتهم في أداء الشعيرة سنوياً، لمزيد من الضبط. ü السؤال المنطقي الأول، ونحن نتناول الإفادات الصادرة من وزير الإرشاد بالتعليق، لماذا تتحول ورشة مخصصة للبحث في تنظيم الحج وتيسير مهمة ضيوف الرحمن إلى أرض لمعركة بين الوزارة و وكالات السفر، وللتناطح بين جهتين يفترض في عملهما التكامل والتآزر. خصوصاً والمعركة تنفجر بعد شهور قليلة من إلغاء «هيئة الحج والعمرة» وتحويلها إلى إدارة من إدارات وزارة الإرشاد والأوقاف، التي كانت عينها مصوبة دائماً على ما تدره تلك الهيئة من عائدات مالية، بينما الوزارة تعاني من فقر مدقع، وربما يكون ذلك سر توتر الوزير ومحاولة السيطرة على أموال الحج من خلال السيطرة على حركة وكالات السفر وتعاملاتها وتهديده بحرمان الوكالات التي تتعامل مع «الحج الفردي» من العمل. ü لكن القضية الأخطر والأكبر التي فجرتها تصريحات الوزير المنفعلة، تتمثل في تهديده ووعيده بتوقيع «عقوبات على الأفراد الذين يقومون بالحج بمفردهم»، أو ما يسمى «الحج الفردي».. الله!! أليس الحج أصلاً عبادة فردية، وهل نسي الوزير خليل عبد الله، وزير الإرشاد، أن الحج فرض على من «استطاع إليه سبيلاً» وأنه ليس من شروط إتمامه هو أن يكون تفويجاً أو في جماعة، ألم يقرأ الوزير قول الحق جل شأنه في محكم التنزيل «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق» ورجالاً هنا تعني أنهم يأتون مشياً على الأقدام، ومنهم يأتي راكباً «على ضامر» من الإبل، من كل فج عميق أي من كل مكان بعيد، فما بال الوزير يهدد من يذهب بمفرده لأداء الفريضة بالويل والثبور وعظائم الأمور، فهل من يحج إلى بيت الله ويطوَّف بالبيت العتيق ويقف على عرفات استجابة لنداء ربه قد ارتكب مخالفة أو جريمة تستحق العقاب، لأن الحكومة تريد أن تشرف على عملية الحج و«تُسمسر فيها» كإحدى مصادر الجبايات، التي يؤكدها استقتال وزراء الإرشاد السابقين واللاحقين من أجل السيطرة على «هيئة الحج والعمرة»-كمؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية مهمتها تنظيم الحج والعمرة وتيسير رحلات الحجيج والمعتمرين وتنمية قدرات «الدولة» وليس «الحكومة» في توفير حج مريح للسودانيين. فهل جاء الوزير «اللاحق» ليكمل ما بدأه الوزير «السابق» الذي خاض معاركهُ الطاحنة من أجل وأد الهيئة المستقلة، بخوض معركة جديدة مع الوكالات، حتى اضطر تلك السيدة لتقول له -في حضور مندوب المملكة- إن الوكالات ستعود للعمل «رغم أنفك»! ألم يحرج الوزير بذلك نفسه وحكومته وشعبه أمام الضيف العزيز؟! ü ثم ما الذي يدفع الوزير لمطالبة القائم بالأعمال السعودي بمد وزارته بقائمة بأسماء من تدعوهم المملكة لأداء الفريضة، وهي مكرمة تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين عبر السنين «بلا من ولا أذى»، ألا تعني هذه المطالبة أن الوزير أو وزارته يريدون أن يحصوا عدد الحجاج السودانيين بحيث لا يفلت منهم «فالت» دون أن «يدفع المعلوم». وكذلك لماذا «الحج الفردي» مأذون به في الولايات وعبر الوكالات وليس في الخرطوم، لم أفهم الحكمة التي ينطوي عليها كلام الوزير أو قراره في هذا الشأن، فهل الولايات تعمل خارج إطار دستور السودان والقوانين المنبثقة عنه.. كل ذلك يؤكد غياب الرشد والحكمة الذي جانب أداء وزير الإرشاد في تلك الورشة المشتعلة التي لم تقوِّم الحج، بل «عوجت الدرب» إلى البيت العتيق!