في أواخر تسعينات القرن الماضي وبينما كنت اتلمس طريقي في الصحافة السودانية بأصابعي الغضة.. حين كانت توكل إلينا المهام غير الصعبة، وربما غير المؤثرة بصحيفة (الأنباء) التي كانت تصدر آنذاك. طلب مني أستاذي عوض التوم رئيس قسم التحقيقات في تلك الصحيفة أن أذهب لمستشفى ابن سينا للتحقيق في قضية مهمة جداً، وهي (قيام) الهيئة القومية للكهرباء بقطع التيار الكهربائي عن المستشفى لأنها لم تسدد ما عليها من (حساب) أو من فاتورة.. وبالفعل ذهبت للمستشفى التي تعمل (100%) بالكهرباء، وأدويتها لا يمكن تخزينها إلا في درجة حرارة معينة، ومعداتها لا تعمل إلا بالكهرباء.. إذن فانقطاع التيار الكهربائي عنها لمدة (5) دقائق يمكن أن يؤدي لوفاة مرضى في غرف العمليات أو حتى أثناء الكشف، هذا غير الأدوية التي يمكن أن تتلفها الحرارة العالية.. المهم سادتي عندما وصلت إلى هناك كانت هيئة الكهرباء قد قامت بقطع التيار عن المستشفى وأخذت آلياتها وذهبت.. قابلتُ المدير الإداري للمستشفى آنذاك وتحدثت إليه كما تحدثت إلى الإدارات الطبية في المستشفى ولم يسعفني الزمن أن أذهب لإدارة الكهرباء فأخذت المادة التي جمعتها وحاولت كتابتها مع أستاذي عوض التوم.. وكنت أحمل سؤالاً لم أجد له إجابة حتى الآن.. كيف تأخذ الحكومة من نفسها أموالاً مقابل خدماتها.. نعم فهيئة الكهرباء مؤسسة حكومية يدخل ربحها خزينة وزارة المالية بينما تخرج احتياجات مستشفى ابن سينا من خزينة المالية.. فكيف يضار المواطن من مثل هذه البروقراطية.. «مش حاجة غريبة»!! المهم ظل هذا السؤال معلق في ذهني ولم يجد الإجابة رغم أنني طرحته كثيراً، وحتى كتابة هذه السطورأنا حائرة.. وفي ظني أن هناك مؤسسات كثيرة يجب أن نخرجها من هذه الدائرة الضيقة التي يروح ضحيتها المواطن والممتلكات العامة.. لذا سادتي كنت أسعد الناس بالخبر الذي ورد يوم أمس الأول حول تفاهم وزارتي الصحة والمالية حول إلغاء رسوم الكهرباء عن المستشفيات الحكومية.. ولعمري هذا قرار إذا اتخذ سيرفع عبءً كبيراً عن كاهل المستشفيات التي أرهقتها فواتير المياه والكهرباء.. وفي اعتقادي ورغم أن القرار لم يُتخذ بعد، وتم التفكير فيه مؤخراً.. لكن لا أظن أن هناك مشكلة.. المهم أن يتخذ القرار وأن ينفذ..