ابتكرت دول شرق آسيا وسيلة جديدة للتعبير عن الحزن وحالات الاكتئاب والإحباط بأن افتتحت (محل صغير) أسمته (نادي المكتئبين).. تنبعث من زواياه موسيقى حزينة.. ويجلس الزبائن فيه يتحسرون ويذرفون الدموع التي تزداد غزارة كلما رأى الزبون غيره في حالة بكاء ونشيج.. وألم..! ويقدم النادي عصير البصل مخلوطاً بالفلفل لمزيد من العبرات..! الغريب أن الزبون يخرج بإحساس أنه أفضل حالاً خصوصاً بعد أن يتأكد من أنه ليس الوحيد في الدنيا الذي يرغب في الصراخ والبكاء.. وقد أجريت دراسات على الأثر الإيجابي لذلك المقهى.. ووجدوا أن النتيجة مذهلة وقلّت تبعاً لذلك حالات الانتحار.. فانتقلت الفكرة إلى أوربا وأمريكا..! ملحوظة: أغلب الزبائن رجال..! قرأت عن الموضوع.. وتخيلت إذا انتقلت هذه الفكرة إلى السودان.. أكاد أجزم بأن لا أحد سيرتاد المكان.. لأن الشعب السوداني يعتقد أنه من لوازم العزة والأنفة والكرامة والرجولة (ألا تعبر عما يجيش بداخلك).. وأن تشيّع حزنك وتدفنه في أقصى المنافي.. وأن تتحمل كل أوجاعك دون أن تصدر منك آهة.. وأن تكتم إحباطك الذي وصل مداه إلى درجة الانصهار في أعماقك الجريحة.. والتي تبحث لها عن (مراهم وهمية) هيهات أن يسكت أنينها!! قد تبكي المرأة السودانية.. وتقول إنها مظلومة.. وتجاهر بحزنها.. وتستسلم لاكتئابها..! لكن الرجل يكابر حتى الموت.. يعتصم بالصمت والكبرياء.. يضي بالدموع حتى تجف الغدد الدمعية فلا تعد صالحة للاستعمال..! تتجمد المشاعر.. وتتقيح الجروح ويزداد الأخدود عمقاً.. والأيام لاتفتأ تتبدل ما بين الهم والوصب.. وتتكالب المحن.. وتشتد الرغبة في البكاء.. والتعبير بالزفرات والآهات ولكنهم يظنون أن في ذلك منقصة.. فيزداد الضغط على الجسد إلى أن يتهاوى.. لذا يكثر في بلادنا موت الفجاءة. ü زاوية أخيرة: المكابرة ومحاولة الارتقاء بالنفس والجسد.. خارج حدود الطاقة المتاحة.. هي سبب كل الانهيارات والجرائم وردود الأفعال القاسية.. أطلقوا للمشاعر العنان التي هي وحدها تمثل (بشرية الإنسان)!!