التراث الشعبي مخزون الحكمة والتجريب وفي تراث قبيلة الزغاوة ومن «أحاجي» الحبوبات لهذه القبيلة، وبلهجة القبيلة المحلية أن مجموعة من حيوانات الغابة اضطرتهم الظروف للسكن معاً في منزل واحد، وهم الأسد والضبع، والنمر، والثعبان، ووضع كل منهم شرطاً أساسياً للبقاء بين المجموعة وهو لن يتنازل عن هذا الشرط أبداً.. اشترط الأسد ملك الغابة على البقية أنه لا يحتمل الإزعاج أثناء نومه، وعلى الجميع أن يتحدثوا ويتحركوا في هدوء، وقال الضبع إنه يشترط على الرفاق إذا جاء متأخراً وفي الساعات الأولى من الصباح، أن لا يسأله أحد لماذا جاء متأخراً، ومن أين جاء؟ وقال النمر إنني أجن جنوناً بالغاً إذا حدّق أحدٌ في عيني، وأفقد أعصابي بشدة.. أما الأفعى فقد قال للرفاق إنكم تعرفون نعومة ملمسي ورهافة جلدي، وأي خدش أو جرح يعرض حياتي للخطر، وطلب منهم أن يأخذوا حذرهم من ملامسته عند تحركهم. تقول «الحكوة» بتعبير صغيرتي إيلاف إن الأصدقاء الأربعة عاشوا يومين تحت سقف واحد، وكل منهم يحترم شرط الآخرين، وفي مساء اليوم الثالث جاء الضبع كعادته متأخراً في الساعات الأولى من الفجر وهو يلهث، فظن النمر اليقظ أن الضبع ملاحق من بني البشر، فسأله عن سبب تأخره وفزعه، فغضب الضبع من النمر لإنتهاك خصوصياته، فأخرج عينيه المتورمتين ونظر الى النمر بقوة في عينيه، ولم يتمالك النمر أعصابه، فضرب الضبع ضربةً أودت بحياته، وهو يجأر بأعلى صوته، فانتفض الأسد من نومه غاضباً وزأر زئيراً مجلجلاً وبيده اليسرى ضرب النمر على رأسه حتى تفجرت الدماء، وقبل أن يلقى النمر مصرعه بجانب الضبع ترنح النمر نحو الثعبات المتكور في جانب من الكوخ، وأحدث في جسده ثقباً عميقاً، فالتفت الثعبان الى الأسد الواقف الى جانبه، وأفرغ كل ما في أحشائه من سم في جسد الأسد، وهكذا قضى الجميع نحبهم كما تقول حكوة الزغاوة. أسائل نفسي كثيراً عن مدى حظوظ أهل دارفور بسلام وتنمية في المرحلة المقبلة، تحت قيادة حركة التحرير والعدالة التي تؤسس للسلطة الإقليمية، وتدفع بعدد من منسوبي حركة التحرير والعدالة لتولي المهام الدستورية والتنفيذية العليا لتنفيذ محاور وثيقة الدوحة، والتي وجدت تأييداً كبيراً من قطاعات المجتمع الدارفوري، وأن تكون الوثيقة مدخلاً لحل مشكلة الإقليم، ومن أجل المحاصصة فإن حركة التحرير والعدالة تسير بحذر بين الفصائل المكونة لها، والتي انشقت عن الفصيلين الأساسيين- حركة جيش تحرير السودان نهاية 2002م وحركة العدل والمساواة 2003م- وقد تباينت المدارس الفكرية بين الفصائل، بدءاً من التيار الإسلامي ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين، والجبهة الإسلامية القومية، والحركة الإنقاذية الأولى، والمؤتمر الشعبي.. الى جانب الفصائل العلمانية من مدارس اليسار ممثلة في الأحزاب الشيوعية، والحركة الشعبية بشعار السودان الجديد، الى جانب العلمانيين من مدرسة الدين لله والوطن للجميع، هذا التباين الفكري في جسد التحرير والعدالة يضاف إليه التباين الإثني والقبلي، ونشوء الموازنات في تولي المناصب وتطلعات القيادات، ففي مثل هذا التباين والتقاطعات فإن التحدي الأكبر لتحقيق آمال أهل دارفور أن تبقى هذه الفصائل تحت سقف التحرير والعدالة، ويعود السيد أحمد عبد الشافع الى السرب، وأن لا تتكرر ظاهرة مكتب الحركة بالعاصمة ممثلة في رئيسها عمار، وأمينها العام السفير، وحركة النجيمي وابنة صديقي شارف أن لا تتكرر بين قيادات الحركة في رئاستها ومكتبها التنفيذي. «الحكوة» برطانة الزغاوة أيضاً تثير في الذهن التعمق في الأحداث والملاسنات، التي نشبت بين زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي، وبين زعيم المؤتمر الشعبي الدكتور الترابي، واللذان يمثلان قطبي المعارضة المدنية في الداخل، التي قررت العيش تحت سقف تحالف المعارضة بقيادة فاروق أبوعيسى، فالترابي الأصولي الإسلامي الحركي الى جانب المهدي الطائفي صاحب فكر الصحوة، الى جانب اليسار الشيوعي السوداني وبنائه من حق بجناحيه الى جانب غلاة المايويين و تيار ثورة التصحيح الى الحركة الشعبية الإفريقانية، الى البعث بالعروبة.. هذا التباين في الرؤى والأفكار المتضادة هل يمكن تعايش الأحزاب المعارضة تحت سقف مظلة إسقاط النظام. ما يجري للأحزاب السودانية ينطبق على التحالف الثوري في كاودا بفصائله المسلحة الساعية الى إسقاط النظام بقوة السلاح وتفجير الحدود الجنوبية، بينما كل قلب يهفو الى جهوية مختلفة من خلال منطلقاتها وبرامجها الجهوية، فالفصائل الدارفورية تتبنى قضايا تتباين مع ما تتطلع إليه مجموعات جبال النوبة، بقيادة عبد العزيز الحلو ومجموعة النيل الأزرق بقيادة مالك عقار، هذه من ناحية الجغرافيا، إضافة الى ماذكرنا سابقاً من تباين إثني وفكري في جسد مكونات كاودا.