- هبت عاصفة الانقسامات مجدداً داخل جسد حركة العدل والمساواة وتمظهرت الانقسامات الحالية بثوب القبلية والأثنية وثلاثة من قيادات حركة العدل والمساواة ورموزها تلفظهم الحركة بعيداً عنها، إضافة لقيادات أخرى من الصف الثاني.. وخرج من صف الحركة محمد بحر علي حمدين نائب رئيس الحركة الذي ينتمي لإقليم كردفان منحدراً من صلب قبيلة المسيرية، وكان من القيادات الميدانية التي دخلت مع قوات خليل أم درمان وتم إلقاء القبض عليه وأطلق سراحه بعفو حكومي.. لكنه نكص وعاد مرة أخرى لدكتور خليل، فابتعثه د. خليل للدوحة مفاوضاً باسم الحركة غير مفوض للبت في المواقف الحاسمة والقرارات المصيرية التي تحتكرها النخبة المنتقاة من عصبة زعيم الحركة، وأزاحت حركة العدل كذلك علي وافي أحد القيادات التي تنحدر من قبيلة الرزيقات الماهرية، والتجاني الطاهر كرشوم من قبيلة بني هلبة، إضافة لاركو سليمان ضحية ومحمد بشارة يحيى من زغاوة غرب دارفور، وتطورات الأوضاع داخل حركة العدل والمساواة تطرح سؤالاً عن المصير الذي ينتظر أكثر الجماعات المسلحة في دارفور تنظيماً وتماسكاً مقارنة بالجماعات الأخرى التي أدمنت الانشطارات والانقسامات.. التصدعات الإثنية - منذ ميلادها غداة انقسام التيار الإسلامي الحاكم في السودان لوطني وشعبي، وخروجها عن الملعب السياسي لفضاء التمرد العسكري، لم تدخر حركة العدل والمساواة جهداً في سبيل الظهور في ثياب حركة تمرد قومية تتخذ من إقليم دارفور مسرحاً مؤقتاً لعملياتها العسكرية.. ولكن طبيعة الحركات المسلحة وواقع العمليات العسكرية في الميدان، يفرض واقعه.. وثقافة وتكوين قيادة أي حركة مسلحة تلقي بظلالها على سلوكها. وحركة العدل والمساواة من حيث المرجعية الثقافية تمثل حركة ذات توجه إسلامي أصولي أكثر انغلاقاً من المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي الذي يثير علاقاته مع الحركة علامات استفهام كبيرة، وتعتبره الحكومة الجناح السياسي لحركة العدل والمساواة، بفرضيات أخرى تعتبر حركة العدل الجناح العسكري للشعبي، بيد أن د. خليل إبراهيم وشقيقه د. جبريل سعيا مراراً للنأي بنفسيهما عن المؤتمر الشعبي الذي ينظر إليه العالم الخارجي بالريبة والشك ويعتبره أكثر ريدكالية من المؤتمر الوطني.. وواقع الميدان وعلاقات الحركة وارتباطاتها ومطامحها وأشواقها في إعادة ترسيم السودان جغرافية وسياسة دفعها لإضفاء صورة زائفة عن قومية الحركة وتمثيلها لكل دارفور إن لم تمثل في قيادتها العليا رمزيات تضفي عليها القومية أو الدارفورية، وجاءت الحركة بالسيد محمد بحر علي حمدين من المسيرية أولاد كامل مدفوعاً بمراراة الانقسام ووفاة عمه المحافظ السابق موسى علي حمدين، وجاءت من الرزيقات بالسيد علي وافي من الماهرية، والتجاني الطاهر كرشوم من البني هلبة.. ولكنها بضربة لازب أبعدتهم جميعاً بالقرارات التي اتخذها د. خليل إبراهيم مؤخراً بعد عودته للأراضي السودانية من ليبيا واستقراره في (وادي هور) في انتظار مصيره الذي بدأت الخرطوم التداول حوله سراً وجهراً.. وحاولت حركة العدل والمساواة الحفاظ على مظهر خارجي قومي، وعلي النقيض من ذلك القبض والسيطرة على المفاصل الداخلية، المال بيد خليل إبراهيم.. والعلاقات الخارجية في حقيبة شقيقه د. جبريل إبراهيم، والقيادة العسكرية بيد عصبة من أبناء عمومة خليل من (الزغاوة كبي)، وقد أعلنت المجموعة التي انقسمت مؤخراً عن خليل إبراهيم، عن غضبها ورفضها لتحول الحركة لشركة مقاولات إقطاعية أمنية تسعى لجمع المال ولا تعبأ بمصالح أهل دارفور. والانقسام الذي ضرب صفوف الحركة حالياً لا يمثل حدثاً معزولاً عن انقسامات وتصدعات في جسد الحركة تركت جروحاً عميقة وأضعفت قدرتها العسكرية وشوهت مظهرها السياسي، فقد انشق عن د. خليل أولاً مجموعة الحركة الوطنية للإصلاح والذي قاده أبناء الزغاوة الكبي من بيت الإدارة الأهلية الكبير (دوسة)، حيث انشق خليل دوسة وعبدالمجيد وعبدالجبار دوسة ووقع هؤلاء اتفاقاً مع حكومة السودان، وبعد مفاوضات أبوجا انشق عن حركة العدل تاج السيد بشير نيام بعد أن كان يمثل الحركة في المفاوضات، وشقيقه الآخر يمثل الدبلوماسية التشادية التي تراقب المفاوضات، وتلك من المفارقات وعجائب قضية دارفور التي ترتدي أحياناً العمة والجلابية، وطوراً (الكدمول) التشادي!! والانشقاق الثالث الذي ضرب صفوف حركة العدل والمساواة قاده علي مجوك المؤمن وزير الدولة الحالي بوزارة الثقافة، وإبراهيم عبدالدائم واللذان انضما إلى مجموعة عبدالواحد محمد نور، وتبع هذا الانقسام تمرد آخر قاده أبناء الميدوب بعد تعرضهم لتصفيات جسدية، حيث أعلن إدريس أزرق ويوسف أبكر خروجهما من عباءة الحركة، وتبع تمرد الميدوب انشقاق إبراهيم يحيى عبدالرحمن الذي نعت وجوده داخل حركة العدل بالرمزي فقط، حيث كان يتولى منصب رئيس المجلس التشريعي (البرلمان)، وهل للحركة المتمردة في الأصل برلمان ورقابة.. أم هي محاولة لتحسين الوجه مثل (تزيين حمار للزفاف)!! وتعرض د. خليل إبراهيم وحركته لنكسة أخرى بانشقاق بحر إدريس أبوقردة الرجل الثاني الآن في حركة التحرير والعدالة، وكذلك خرج د. هارون عبدالحميد وخطّاب حسن وداعة الذي توجه نحو حركة التحرير والعدالة. مستقبل العدل - الانقسامات التي ضربت صفوف حركة العدل والمساواة أضعفت قدراتها السياسية وشوهت صورتها الخارجية بعد أن أصبحت حركة يسيطر عليها (الزغاوة)، وفقدت تعاطف أهل دارفور بتهديدها المعلن لإجهاض اتفاق الدوحة، الشيء الذي اعتبره بعض قيادات الفور الاستهداف المباشر لمكاسب تحققت لهم في الوقت الذي خسرت فيه الحركة قيادات المسيرية في كردفان والرزيقات والبني هلبة في دارفور، وانحسارها فقط وسط قبيلة الزغاوة (فرع الكوبي)، وفشل د. خليل إبراهيم في تسويق حركة العدل في أوربا والولايات المتحدةالأمريكية التي تنظر إليها كحركة إسلامية ذات ارتباط وثيق بالدكتور حسن الترابي الذي يمثل لأمريكا خطراً حقيقياً مهما تمسح بالأصباغ الديمقراطية وقدم نفسه كسياسي في ثوب مناهض للتطرف والإرهاب.. ولا تملك حركة العدل والمساواة القوة العسكرية التي تجعلها تشكل تهديداً للخرطوم التي دخلتها من قبل في غفلة لن تتكرر مرة أخرى، ولا تبدو مجموعة تحالف كاودة التي تضم مني أركو مناوي وعبدالواحد محمد نور وعبدالعزيز الحلو ومالك عقار، مستعدة للتنازل عن قيادة هذا التحالف لصالح د. خليل إبراهيم، ولا تثق مكونات تحالف كاودة في إسلاميي دارفور ولكنها قد تقبل بوجود لحركة خليل تحت قيادة الحلو ولكن هل لخليل قابلية للتعايش مع هؤلاء؟! سيولة دارفور - في غياب المنهج والرؤية ظللت السمة البارزة لمظهر الحركات المتمردة في دارفور (حالة السيولة) التنظيمية التي تعيشها حتى غدت بعض الجماعات (بندقية للإيجار) وجنرالات الحرب التي صنعتها حرب اللاندكروزرات تنتقل من حركة لأخرى مثل الفراشات وسط الأزهار، ومثال لذلك السيد أركو سليمان ضحية الذي كان من المقربين لمني أركو مناوي وخاض معه معارك السلب والنهب التي خاضها في دارفور، وحينما وقّع مناوي اتفاق أبوجا، وفكر ودبر أركو سليمان ضحية، وقدر أين مصالحه الشخصية، اختار العودة مرة أخرى لأحضان د. خليل إبراهيم، بينما كان بخيت كريمة من أبرز قيادات مني أركو مناوي واليوم في أحضان حركة العدل والمساواة. ولا تنتهي ظاهرة التنقل من حيز لآخر بالعسكريين، فالقيادات السياسية من المدنيين، هي الأخرى أدمنت الرحيل من حركة لأخرى وبدأ البعض يبدل ولاءً بآخر كما يبدل أحذيته وملابسه الداخلية، ومثال على ذلك السيد محجوب حسين الذي اختار التمرد لصف عبدالواحد محمد نور وحينما كشفت حقائق الواقع العسكري على الأرض ضعف عبدالواحد، انتقل لجهة مني أركو مناوي ليعود معه للخرطوم وينتظر نصيبه من السلطة، وحينما يفشل في مبتغاه يقرر العودة مرة أخرى لعبد الواحد محمد نور، ثم ينفصل عنه لتكوين حركة التحرير والوحدة.. وما لبث الرجل أن انضم إلى حركة التحرير والعدالة التي تمثل حالة خاصة لتجمع الأشتات والنقائض وهي تضم في قياداتها أحمد عبدالشافع بميوله اليسارية وأشواقه الحركية وارتباطاته بالجنوب، وتضم بحر إدريس أبو قردة أحد أبرز قيادات حركة الاتجاه الإسلامي في الثانويات وحتى الجامعة، وهو من المجاهدين في الجنوب، وهناك آخرون لا طعم لهم ولا لون أو رائحة، ويقود هؤلاء جميعاً د. التجاني سيسي الذي تمتد جذوره الثقافية لحركة الأخوان المسلمين ولكنه آثر مصالحه مع حزب الأمة القومي بعد الانتفاضة، واليوم بعباءة السلطة وجلباب دارفور يجرب حظه في رمال متحركة.. وجغرافية تتنازعها الأطماع الدولية.