مدخل ومخرج: يكاد المرء يعتذر لأنه لم يكتب عن الأفذاذ الذين رحلوا في الأيام الفائتة وهم رموز لليسار السوداني كل بطريقته.. فوردي حادي الشعب ولكنه لفترة طويلة كان حادي اليسار أيضاً.. ثم محمد الحسن سالم حميد.. الذي هداه اليسار إلى العمال والفلاحين فأصبح صوتهم.. وأخيراً الزعيم محمد إبراهيم نقد الذي جاء غض النظر عن المرحلة.. وتفكك أوصال الحزب.. وكثرة السهام وقلة الكوادر التحدي.. الكبير أمامه كان أنه جاء بعد عبد الخالق محجوب صاحب الكاريزما الطاغية حتى أن الخبثاء شبهوه (بمساعد الياي) على أنه لن يكون (ياياً).. فإن صح التشبيه مع سخفه الشديد.. فإنه قلب النظرية فأصبح (ياياً) كامل المهنية.. بل صنع كاريزماه.. ووجد على لسان اليمين حسن الخاتمة وعلى لسان اليسار مات واقفاً كالأشجار.. مات زعيماً لن ينساه التاريخ.. صنع لغة.. وطريقة.. وأسلوباً لا يستطيع مجاراته أحد.. الشاهد إنني لا أستطيع أن أكتب نثراً.. ومنذ رحيل صلاح حمادة .. وأنا أكتب قصيدة أسميتها زمن المراثي وكتبت نفسها بنفسها.. فتذكرت الدوش ومصطفى.. وعندما رحل زيدان كتبت بضع أبيات وعندما مات وردى ثم حميد.. يبدو أنها ستظل القصيدة التى لا تكتمل إلا باكتمال دورة كاتبها في الحياة.. وحقيقة ولا أخفى عليكم أني ظللت أفكر كثيراً في الموت.. والتفكير فيه متعب تمر بذاكرتي صور الذين ماتوا.. أتوقف عند المنتحرين.. يطوف خليل حاوي الذي انتحر بسبب وطن.. ويطوف أبوذكرى الذي انتحر بسبب فكره.. ثم الذين يمضون بعد حادث.. أو مرض يطول.. أو يقصر.. إنهم يموتون.. اجتهدت النيل الأزرق في توثيق كل مراحل الزمن للراحل حميد.. فصورت حتى (ود اللحد) الذي أتعب (شريكتي) وأخذت تحلم أحلاماً لا أقول مزعجة.. بل تدور قطعاً حول فكرة الموت. حقيقة في لحظات المرض.. والتفكير في الموت.. فلن تجد إلا الدين يقف معك إلا إن أبيت.. وإن محمداً عليه الصلاة والسلام يهون عليك الأمور.. في هذه اللحظات.. استغثت أيضاً بالشعر.. دعونا من المرثية وتأملوا الاستغاثة أيضاً وطلب الشفاعة.. غفر الله لنا.. ولكم: شوف العمر عدى.. رمشة عين سريعة ذبلن ألف وردة.. وعايشين في الخديعة النفس الضعيفة.. أمارة ونطيعا تزين ليكا جيفة.. تظهر ليك بديعة *** يا واحد أغثني.. بمحمد شفيعي قُرة عيني سيدي.. نور قلبي وربيعي داير أجيك مهرول.. غرقان في دموعي وأنا روحي بتولول.. خجلان من صنيعي *** يا واحد أغثني.. بمحمد عشوقي أقبس من ضياهو يا أحزاني روقي طامع في شفاعتك في اليوم الحقيقي إن هّون أزورك ميلادي وشروقي *** يا واحد أغثني.. بمحمد إمامي أسمو على الذنوب وأصعد في التسامي طامع في شفاعتك.. في اليوم الختامي أتنبر وأقول حبو دخل مسامي *** يا واحد أغثني.. بمحمد ضيائي أتدثر بنورك في صبحي ومسائي طامع في شفاعتك في اليوم النهائي ظلمة روحي مني.. ومن سيرتك بهائي *** ألف صلاة وسلام.. على سيدي الجميل أنا ما عندى غيرك.. إن حان الرحيل طامع في شفاعتك درب الهم طويل كم ضلن دروبي عاد أنا شن أقول *** رتبت المجرة يا أب خلقاً عظيم أغلط ألف مرة وإبليس اللئيم يزين لي معاصي ليه كنت الغشيم شفاعتك هي زادي في الليل البهيم