ü أهداني زميلي وصديقي د. عباس سراج مدير مركز التقانة للدراسات الأم درمانية- مشكوراً- العدد الأول من إصدارتهم الدورية «وشل»، مع رسالة تعريفية رقيقة ممهورة بتوقيع د. معتز محمد أحمد البرير رئيس جامعة العلوم والتقانة ورئيس مجلس إدارة المجلة الجديدة المختصة بالدراسات الأم درمانية، توثيقاً لدور أم درمان في الحياة السودانية، والتي اختار مؤسسو المركز أن يسموا مجلتهم باسمها الأقدم، وهو «وشل»، ولهم في ذلك فذلكة تاريخية ولغوية خصصوا لها صفحات عديدة في المجلة. ü رسالة د. المعتز البرير عن مركز التقانة للدراسات الأم درمانية أوضحت أن المركز يكرس نشاطه في الدراسات الخاصة بأم درمان وفاءً للمدينة، وينقب في تاريخها القديم ويعرض معالم تاريخها المعاصر بعد أن التف حولها الأقوام من أقطار السودان المختلفة فجمعت واستوعبت قبائلهم وألسنتهم وأعراقهم على تنوعها وتعددها، فتكون هذا المزيج الرائع والموزاييك البديع والمركز- كما قال- تتعدد أنشطته: من إصدار الكتب والمجلات، وعقد الملتقيات والندوات، وعرض الأفلام التوثيقية، وجلسات التفاكر وتوثيق الماضي والحاضر وإظهار مكامن التفرد والإبداع لهذه المدينة الفاضلة، وطلب البرير منا إفادتنا بشأن الإصدارة الجديدة مهما كان الرأي فيها، إذ يرى في «الرأي الآخر» الناقد المتسم بالموضوعية ضرورة للتطوير والتقدم، وهذا دليل انفتاح وتحضر. ü المجلة، اتخذت لها اسماً (غريباً)، اسماً قديماً لا يعرفه إلا المختصون في دراسات التاريخ والفولكلور، فقليل أولئك الذين يدركون أن أم درمان كان لها اسماً سابقاً أو قديماً هو «وشل»، وربما أراد من اختاروا الاسم، وفي مقدمتهم طبعاً صديقنا د. عباس سراج، إحياء ذلك «الاسم الدارس» تكريماً واحتفاءً بمدينتهم الحبيبة التي علا ذكرها كعاصمة للدولة المهدية، وقد أتى عليها حين من الدهر- قبل ذلك- لم تكن شيئاً مذكوراً، والدليل على ذلك أن المجلة أخذت جل مادتها المنشورة من أم درمان المهدية، تلك المدينة التي تحولت عاصمة للدولة الوطنية، ومع ذلك لا بأس أن نضيف اسماً «جديداً- قديماً» لمديتنا الأثيرة أم درمان. ü في الفذلكة التاريخية واللغوية «المطولة» حول الاسم ودوافع الاختيار أبان محرر «وشل» أن الاسم كان سائداً في زمن الفونج، وكان يقال لها «أرض وشل» وأنها كانت سكناً للفونج والعربان طوال القامة- بحسب يوسف ميخائيل- وقيل أيضاً إن «وشل» كان رجلاً سكن المنطقة وإنه جد الكواهلة ووالد «أم درمان» التي التصق اسمها في ما بعد بالمدينة، أو إن «وشل» هو اسم لملك من ملوك «العَنَج» وبعد موته تولت زوجته الحكم وكانت تدعى أم درمان فسُميت عليها المدينة، ولغوياً، فإن «وشل» وجمعه «أوشال» هو إشارة للمياه تسيل من أعراض الجبال ثم تساق إلى المزارع، وأم درمان منحدر تغزوه المياه عبر «خيران» متعددة مندفعة من أعالي جبال المرخيات غربها باتجاه النيل، فلا غرابة إن سميت «وشلاً». ما يهمنا أن محرري المجلة اختاروا اسماً «جديداً» لمجلة «جديدة» وهذا حقهم. ü مثل كل الدوريات، وإن لم يذكر لنا محرروها عدد دورات أو مواعيد صدورها، شهرية أم فصلية، احتشدت المجلة بدراسات مطولة وصور انصبت جلها على موضوعها الأساسي وهو «أم درمان»- التاريخ والشخصيات والمهن والحرف والمعالم والآثار والشعر والفنون وفولكلور ألعاب الأطفال- وبذلت جهداً مقدراً بالعودة إلى المراجع والكتب وجمعت العديد من الصور التاريخية ونشرتها، مثلما سجلت بعض الشهادات الحية عن الرموز التاريخية للمدينة، كما خصصت فصلاً للتعريف بأحياء أم درمان العريقة وبدأت ب«زريبة الكاشف». ü من الشخصيات التاريخية التي أضاء عليها العدد الأول ل«وشل» الإمام المهدي، مولده ونشأته وتعليمه وثورته، والخليفة عبد الله التعايشي وسيرته من المولد إلى التعليم وعلاقته بالزبير باشا رحمة وحتى التحاقه بالمهدي في «طيبة- القرشي ود الزين»، والمجاهد سعد الدين ود ماهل مؤذن المهدي، والأميرلاي عبد الله بك خليل رئيس الوزراء الأسبق ودوره في الحركة الوطنية وثورة اللواء الأبيض، وآل البرير ودورهم في المجتمع الأم درماني ابتداءً من عميد الأسرة محمد أحمد البرير، وكما اهتمت المجلة بالعلم والعلماء وبدأت بالشيخ الدكتور الريح العيدروس عالم الفلك الشهير. ü ومن معالم أم درمان «وشل» المسرح القومي وتاريخ نشأته ومؤسسوه وفي مقدمتهم محمد عامر بشير فوراوي وكيل وزارة الاستعلامات والعمل الأسبق، وكذلك متحف بيت الخليفة عبد الله، كما اهتمت المجلة بالغناء والطرب الذي مثلت فيه أم درمان «حنجرة السودان» معيدة نشر مقال للدكتور الرشيد أبو شامة حول تخطي الغناء السوداني لنغمات «السلم السباعي» واعتماد «السلم الخماسي» الذي أصبح أساس اللحن السوداني على يدي سلاح الموسيقى وعسكري واحد من الهند علّم عازفينا العسكريين «النوتة» وفق ذلك السلم. ü تلك «إضاءة» مختصرة على مجلة «وشل» الوليدة الجديدة في عالم المطبوعات والدوريات، وقد بذل محرروها يتقدمهم أخونا الدكتور عباس سراج، الذي اطلعنا ابتداءً على مشروع المجلة وأهدافها وبعض موادها الأولية، وجاءت «وشل» معبرة عن صميم رؤية الجامعة الأم درمانية ولا ريب أنها تحتاج للمزيد من الجهد في مجال الضبط التحريري والتنسيقي والإخراج الصحفي واختيار الورق المناسب الذي يخف وزنه ويَرتفع نوعه بحيث يصبح أكثر راحة لعيون القراء وأيديهم.. فمرحباً ب«وشل» في انتظار المزيد من التقدم والتطوير.. وللأخوين المعتز البرير وعباس خالص التهنئة.. وأم درمان تستاهل!