ثغر السودان الباسم ما زال مبتسماً، ليس نصف ابتسامة.. بل ابتسامة كاملة تشع بياضاً وألقاً.. وما تزال أصداء النكات والضحكات تردد عبر أمواج البحر الهادئة والناس يتحلقون زرافات ووحدانا على كورنيش البحر الممتد الجميل.. وما تزال بورتسودان بلداً أثيراً حبيباً إلى النفس.. وأهل الشرق عامة على سجيتهم وطيبتهم وحبهم لكل الناس دون فرق.. كلمات ليست من عندي ولكني اتفق معها.. بل وأزيد عليها قصائد من الشعر مدحاً وإعجاباً بأهل الشرق عامة.. والكلمات الطيبات التي قيلت في حق أبناء الشرق وولاية البحر خاصة.. هي من أفواه عدد غير قليل من خيرة شباب مصر من أطباء ومهندسين يعيشون في ولاية البحر الأحمر منذ سنوات يتقاسمون مع إنسانها لقمة العيش ومشقة الحياة وبهجتها في آن.. ويتقاسمون الفرح.. والحزن أحياناً..! كنا قبل أيام على موعد تم على عجل.. ولم تكن العجلة هنا من الشيطان.. بل كانت بتوفيق من الله.. عملاً يكتب في صحائف الأعمال الناصعة الخيرة التي تقدم وتستلم باليد اليمين بإذن الله تعالى.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. الأخ الكريم محمد طاهر أحمد حسين نائب رئيس المجلس التشريعي ونائب الوالي لشؤون الحزب بولاية البحر الأحمر.. التقط قفاز المبادرة وأعد لنا برنامجاً حافلاً منظماً ودقيقاً في بورتسودان.. لنتعرف على نموذج حي فاعل للتكامل المصري السوداني الذي يجتهد الساسة والعامة من أجل إعادته واقعاً في حياة شعبي مصر والسودان بعد أن ظل برنامجاً رسمياً مرتبطاً ومتأثراً بتقلبات وأهواء بعض أهل الساسة من قديم.. كنت والأستاذة صباح موسى الصحافية المصرية في الطائرة المغادرة إلى بورتسودان بمعية الأستاذ محمد طاهر أحمد حسين.. وما هي إلا 60 دقيقة ونحن نهبط في مطار الثغر ببراعة الكابتن الطيار طارق بدر الدين الذي تحدث عبر المايكرفون الداخلي مطمئناً الركاب بأن الغبار الكثيف العالق في الجو لن يكون عائقاً أمام هبوط الطائرة.. وهبطنا بسلام وقد أجمعنا على تمكن الطيار طارق.. وكان الأستاذ صلاح سر الختم نائب الوالي وزير المالية والوزير الصادق المليك رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة بالولاية.. في استقبال الأخ محمد طاهر ونحن بمعيته.. ولم نمكث غير قليل في محل إقامتنا حتى تحركنا صوب مستشفى عثمان دقنة في بورتسودان.. حيث التقينا بعدد من الاختصاصيين المصريين والأخ الدكتور أحمد سليمان المدير الطبي.. وانضم إلينا الأخ الوزير الصادق المليك مؤكداً أهمية دور الإخوة الأطباء المصريين في ولاية البحر الأحمر.. تعرفنا على المستشفى وعلى الدور الكبير الذي يقوم به الأطباء والفنيون المصريون في علاج المرضى في بورتسودان وولاية البحر الأحمر عامة.. و تواجد الأطباء المصريين في البحر الأحمر حكاية يجب أن تروى وتجد حظها من النشر والبث الإعلامي على أوسع نطاق.. فهي تجربة تنبض بالحب والتقدير.. وتزدان بالمسؤولية والجدية والاهتمام.. الدكتور نبيل شيحة استشاري الجهاز الهضمي والمناظير أول الأطباء القادمين إلى مستشفى عثمان دقنة.. قال إن البداية كانت بقوافل طبية مصرية في الشرق.. ثم تم توقيع بروتوكول للتعاون الصحي مع وزارة الصحة في ولاية البحر الأحمر والهيئة العامة للتأمين الصحي في مصر.. واقترح أن تكون هناك مستشفى يعمل بها أطباء مصريون.. واقترح علينا أن تسمى (مستشفى المصريين) ولكنا رفضنا، ورأينا أن يكون اسمها مستشفى عثمان دقنة.. وكان التعاون قائماً في الفترة من 24 فبراير2007 حتى أول سبتمبر2007 مع صندوق التعاون المصري الأفريقي في وزارة الخارجية المصرية.. ثم تم توقيع البروتوكول مع وزارة الصحة السودانية.. وتم استقدام (13) طبيباً مصرياً منذ الأول من سبتمبر2007 بتعاقد شخصي.. انتظمت المستشفى حركة وحياة دائبة.. وتدفق الأهالي نحو المستشفى التي نجحت في علاج العديد من الحالات وإجراء العديد من العمليات في تخصصات متعددة.. حيث تستقبل المستشفى من 120 إلى 150 حالة يومية غير الحالات الطارئة والطواريء.. الدكتور أحمد سليمان قال إن المستشفى مكونة من 4 طوابق وبها 210 من الأسرة.. موزعة على الأطفال والجراحة والباطنية.. وأوضح أن المستشفى لها إسهاماً في توطين العلاج بالداخل وتقليل تكلفته والحد من السفر إلى خارج الولاية للعلاج.. أما الدكتور أحمد علامي اختصاصي أطفال.. فقد أوضح أن هناك تحسناً واضحاً في مستوى علاج الأطفال وفي صحتهم وفي الاعتناء بهم والحرص على التطعيمات المختلفة من خلال الحملات المستمرة التي تقوم بها وزارة الصحة الولائية.. وقال إنه خلال السنوات الأربع الماضية حدثت طفرة في صحة الأطفال.. وقال إنه خلال عمله في أكثر من دولة مثل اليمن والسعودية وعمان.. فإن تجربته في السودان مميزة وإنه معجب بالمكان وبالنقلة الكبيرة التي شهدتها ولاية البحر الأحمر.. الآن في ولاية البحر الأحمر هناك 35 طبيباً مصرياً في بورتسودان وفي سواكن وهيا وسنكات.. يعملون في المستشفيات جنباً إلى جنب مع الأطباء والفنيين والممرضين السودانيين.. وهي تجربة تسجل بكثير من الحب والتقدير أنموذجاً حياً لعلاقات متميزة بين البلدين الشقيقين.. وهي تجربة ستتكرر قريباً في عموم الشرق.. بل وفي كل ولايات السودان.. ولم ينتهِ الحدث عند الأطباء المصريين في البحر الأحمر ولكن كان لنا لقاء في الصباح الباكر مع عدد من المهندسين المصريين العاملين في مجال الإنشاءات والتشييد والمقاولات.. وفي مكتب الأستاذ محمد عبد الرحيم عثمان بالمفوضية العليا للتنمية بولاية البحر الأحمر.. التقينا بالمهندس بركات محمد صالح مدير عام فرع شركة النصر العامة لمقاولات (حسن محمد علام) والمهندس أحمد زغلول حسن مدير عام فرع السودان لشركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح والمهندس رجب رمضان مدير فرع السودان للمكتب الاستشاري ايكو قروب.. وكان الحديث جُله عن ثورة المنشآت التي انتظمت ولاية البحر الأحمر والأعمال الإنشائية الضخمة التي تقوم بها الشركات المصرية المذكورة هناك وأهمها الأبراج العشرة الضخمة التي يتواصل العمل فيها بهمة عالية لإنجازها في الموعد المحدد.. وهذه الأبراج وغيرها من الأبراج الأخرى والحديقة الترفيهية العالمية ستغير وجه ثغر السودان.. وتجعل منها مدينة عالمية قادرة على الجذب السياحي والترفيهي خاصة أن الولاية بدأت تهتم بالسياحة اهتماماً ملحوظاً.. وحريصة على أن تجعل منها مورداً اقتصادياً واستثمارياً مهماً يتفوق على الموارد التقليدية الأخرى.. وفي خطة وزير السياحة الأستاذ عبدالله كنه أن تستقبل الولاية 50 ألف سائح أجنبي في المرحلة المقبلة.. و(بورتسودان غير).. على غرار شعار جارتها مدينة جدة.. يؤكد أن ثغر السودان والولاية العريقة المتجددة تقدم نفسها لعهد جديد من التنمية والتطور بفضل من الله ثم قيادتها الحكيمة الناجحة وربانها الماهر الدكتور محمد طاهر إيلا والي ولاية البحر الأحمر.. الذي كان لنا معه لقاء رائع تعرفنا خلاله على ملامح مستقبل مشرق لولاية البحر الأحمر.