من منا يستطيع أن يحتمل البعد والفراق من الأعزاء.. برحيل اختياري.. «برحول» أو ارحتال إلى خارطة جغرافية أخرى، قد يكون فيها خير آخر.. هجرة أو اغتراباً.. تغير عمل وزملاء «كنبة» أو منزلي أو عمل وفي كلٍ الخيرة فيما اختار الله، إنما الأصعب والأمر لكل منا الموت عندما يغيب عنك الأعزاء، وهو القدر... كلنا فقد عزيزاً لديه، وفي كل «هو المقسوم» أو «المقدر» ودائماً وأبداً طعمه علقم مر، أو هو أكثر من ذلك بكثير «نتعازى» «نتصبر» «نداوي جراحاتنا» أو قد نضعف ونجزع وننزوي.. نبعد.. نسبح.. داخلنا علنا نجد ما يبعد عنا الحزن ولكن.. نتعايش.. لا نتسابل نتناسا.. ثم يأتينا فجع آخر، وفقد جلل، ندخل في نفس محاولاتنا مرة أخرى.. قد نستطيع.. وقد نفشل، وأقر وأعترف وأنا بكامل قواي المنهارة، فشلت هذه المرة لأن الفقد عظيم علينا، وليس بعظيم عليه جل جلاله.. وردي ذاك الملك النوبي الواضح الملامح.. شهدنا ملامحه الخارجية، ولكنني من شهد روعة ملامحه الداخلية.. ككثيرين مع أبناء هذا البلد الجميل، وأبناء السكوت بالأخص، وهو ليس من باب العنصرية، ولكن بعوامل الانتماء الجغرافي وصعوبة المنطقة عن ما سواها.. فكانت متعة إنسانيته.. علمنا كيف نحلم.. كيف نتمنى.. وكيف ننادي.. وكيف أن طعم الرحيل بعد العودة، وكيف هو العشق للوطن أكتوبر.. شعبنا وبلدنا الحبوب.. وعجوة محس.. عربية ولا رطانة فإنها تصبح أكثر حلاوة في الوصف.. بساطته.. وصراحته رغم قمته وشموخه.. تواضعه.. صبره مع المرض، وقبله إصراره على أن يكون برغم كل الصعاب.. رفض الفشل في صغره صار، ورفض المرض وقاوم.. وقدم كل ما يمكن لم يتوانَ في اسعاد معجيبه.. حتى وإن كان «ريقه» ناشف كان يبلله بلسانه وبحب من حوله. حقيقي لا نملك إلا أن ندعو له بالرحمة بقدر قامته.. وإنسانيته ذاك الإنسان.. ونقول إننا لم ندفنه بل زرعناه شتلة ستنمو داخل فاروق، وداخل كل واحد منا، كما أحب أن يكون وحلم وعلمنا كيف نحلم.. علنا نستطيع أن نحقق حلمه وحلمنا..