{ ما يؤذينا.. ويمزقنا.. ويبعثرنا.. ويحيّرنا.. ويقيدنا، هو النظر إلى الخلف، أن نتطلع إلى الوراء ونفكر في ما جرى لنا، فلا نحن نستطيع أن نقف لنتأمل ونغير شيئاً، ولا نحن قادرون على التقدم إلى الأمام، لنظل ندور حول أنفسنا، نتقصى هنا وهناك أثراً لجريمة لم نرتكبها ونتفحص دليلاً من الماضي السحيق وكأننا عمال آثار في حفريات البارحة! فلماذا نبقى طويلاً أسرى لإحساسنا بالندم على ما فات؟ لماذا نبقى زمناً نسأل أنفسنا عن الذين تركونا يوماً في عز الرحلة وهل ضاعوا منا؟ أم أضعناهم؟ أم اختاروا البعاد بملء إرادتهم؟! ونصاب بتأنيب الضمير: «هل أخطأنا في حقهم؟». { نسأل أنفسنا دائماً عن أحباء وعدونا بالعيش معنا طويلاً وربما «إلى الأبد»، وعاهدونا على المشاركة في السراء والضراء، وفجأة يتبخرون ذات ليلة، فنصحو ولا نجدهم إلى جوارنا. فهل هربوا منا وتسللوا خفية؟! أم أن أقدارنا وظروفنا ارتأت أن تعذبنا بالذكريات والفراق؟. ونتساءل: ألا نستحق أن يكون لنا حبيب أو حبيبة نتقاسم معه أو معها هذه البقية من العمر كسفر؟! ألا نستحق أن نهنأ ونستقر في علاقة واحدة مريحة ومتكافئة؟! { ونبقى نفتش في الأماكن وأضابير الذكرى عن آثار لخطوات وهمسات الأحبة الذين لم يعودوا بيننا فهل سرقهم منّا أحد؟ هل خطفتهم (سكة) أخرى؟ هل تاهوا في متاهة وتركونا نتوه خلفهم ولا نجد سوى بقايا من كلمات أو صور في ألبوم أو مشاهد مطبوعة في الذاكرة؟ التفتوا إلى الوراء وراقبوا بأسى ما حدث لاثنين أصبحا مغردين وكل مغرد منهما يفتش عن جمع يجمعه، فكيف كانا وكيف أصبحا؟! { إننا نحيا في الماضي كثيراً، ومعظمنا ساخط على حاضره بكل تفاصيله، يعاودنا الحنين لكل ما ذهب وتسرب من بين أيدينا، حتى الذين خسرناهم لأسباب قوية نشتاق إليهم، ونشتاق أكثر إلى أولئك الذين تساقطوا من أيامنا رغم ما كنا نخبئه لهم من مشاعر خاصة وصادقة، ويؤلمنا الإحساس باحتمال أن نكون قد سببنا لهم الأذى بقصد أو دون قصد، أو أهملناهم فضجروا منا وانسلوا من ثقب الليل أو هربوا من شباك ما في جدار النهار وابتلعهم الهواء فصاروا هواء مستأذنين منا في الرحيل أو غير مستأذنين وكأننا لم نكن يوماً ولا كانوا! { ما يؤذينا ويؤخرنا ويبددنا؛ أننا نلوي رقاب كل أيامنا وساعاتنا، ونلوي أعناقنا نحو الخلف، ورغم أننا لا نجد أحداً ممن نبحث عنهم؛ نبقى متشبثين بالأمل في عودة الماضي الذي نسقط كل أحداثه السيئة ونتذكر فقط ملامح الحب والجمال فيه. وهذا ينسحب على كل تفاصيلنا، فنحن نبحث عن حب يشبه حبنا القديم وإن تبدلت الأفكار والمشاعر والظروف، ونبحث عن مجد تليد وأجداد قدماء أنجزوا رغم ضعف إمكانياتهم ما نعجز عنه في القرن الحادي والعشرين. { لقد آن الأوان لننسى هذا العطر، نغسله من خياشيمنا حتى لا نظل دائماً نتنشقه بحسرة، علينا أن نمضي دائماً إلى الأمام مهما كنا موجوعين وبائسين ومثخنين بالجراح لأن الماضي لا يعود، وأجمل ما في الحاضر أننا نحياه، فقط نسأل الله الصحة والعافية ونعمة النسيان. ودعونا نتساءل دائماً: هل هناك أحبة في الأفق؟ دعونا نبحث حولنا عن آخرين يستحقون إخلاصنا وتفانينا دون أن نعقد المقارنات بينهم وبين من كانوا ورحلوا. فدائماً هناك فسحة من الأمل، هناك عشم أخضر في غد أفضل، هناك حب جديد بطعم مختلف وتفاصيل جديدة، هناك لهفة متجددة وأحلام مختلفة وأمنيات عزيزة، هناك من يستحق أن نمنحه الفرصة ليضمد جراحنا ويلملم أشلاءنا ويشفينا من إدماننا القاتل لهذا الماضي الذي يؤخرنا. { افتحوا كل النوافذ.. عبئوا الصدور بهواء الصباح العليل، وابدأوا رحلتكم اليومية بذكريات عزيزة وأمل كبير في مستقبل مشرق. { تلويح: ودِّع أساك، وأنسى النِّساك.. وبالغ كمان!