كرسي النص ظاهرة (حافلاتية) لها منغصات.. وقد شبهتها ذات مرة ببيت الإيجار ولعلها أصبحت كنية لها مشهورة.. وكرسي النص نموذج لسيكولوجية الإنسان السوداني من جهة تسويفه للأمور.. وتجاهله للمهام الصغيرة حتى تصبح كبيرة.. كرسي النص يبدأ في التلف بانفلات مسمار صغير يمكن تثبيته بسهولة بواسطة مفك مخصص للمسمار.. ورغم أننا لا نحذق استخدام المفك خاصة (الأفندية).. فيضغطون بثقلهم كله على المفك مع أنه لا يحتاج لسوى ثلاثة أصابع ولكنهم يستخدمون قوتهم كلها وكأنهم يريدون حفر حفرة.. ما علينا.. المهم يتجاهل السائق والكمساري إصلاح الكرسي.. فيستمر التلف يميل الكرسي فيحتج الركاب.. فلا يجد السائق أو الكمساري حيلة سوى أن يثبته بحجر أو بصندوق حاجة باردة.. وصندوق الحاجة الباردة له وظائف عديدة.. فهو بجانب تثبيته لكراسي النص يستخدم مقعداً أمام الدكاكين وستات الشاي.. والحاجة الباردة هي المشروب الغازي على اختلاف الشركات التى تنتجه.. وقد سمعت أحدهم يقول لصاحب البقالة بعد أن طلب (حاجة باردة) وتذوق جرعة منها: باردك مالو سخن.. وفي هذا تناقض لغوي لا يستخدم إلا في السودان البارد السخن.. وقمت قعدت.. وهكذا نعود لكرسي النص.. ومن غضب الله على الراكب أن يضطر إلى الجلوس في كرسي النص.. المتكول بحجر أو صندوق فعليه أن يعاقب بحركة قيام جلوس.. جلوس قيام.. وهو مع ذلك ضيق خاصة على الأحجام الكبيرة لذلك قال السائق الممراح للمرأة البدينة التى استعصى عليها النهوض منه: تأكلوا ساكت ناسين المواصلات وكراسي النص. ينداح كرسي النص على مجتمعنا في أنساقه كافة.. ففي الرياضة دائماً ما يوجد كرسي نص يضجر الناس.. وهو اللاعب الذي يفعل كل شيء ولكنه لا يسجل الأهداف.. وفي الفن ثمة كراسي نص تغني ولا تغني.. وفي السياسة أيضاً كراسي نص تفسد اللعبة السياسية بعدم الاستفادة من التجارب وتكرارها بأخطائها.. وفي المجتمع قد تجد جاراً أو زميلاً كرسي نص يضجرك بمعاملته غير الرشيدة وقس على ذل .. أعتقد أننا لن نتقدم ولن نتطور إلا إذا استطعنا أن نحافظ على ذلك كرسي النص بمتابعة دؤوبة أو يتم إلغاؤه تماماً.. فلو استبدلناه ب(بنبر) يرفعه الراكب الجالس عليه عالياً بعد أن ينتهي ليسمح لنا بالمرور.. فذلك أهون من كرسي النص.. ومرات يشبه كرسي النص (القلوبية).. وهي آلة صيد قديمة للطيور وربما للفئران.. فقد يتلف كرسي النص ملابسك بمساميره غير المثبتة أو بحديدة ناتئة.. لا أدري لماذا لا تفطن حماية المستهلك لكرسي النص وتعمل على إلزام أصحاب الحافلات بإصلاحه أولاً بأول أو استبعاده تماماً.. ولماذا لا تنتبه شرطة المرور لكرسي النص وتختبره وتعاقب السائق على الاهمال فيه.. ونحو مجتمع سليم معافى متحضر بدون كراسي النص.. أو بكراسي نص تجد متابعة حتى تكون مريحة أو على الأقل سليمة.. فيكفي عذاب قيام جلوس وتمزيق الملابس وعمل (قطايع) للراكبين المساكين.