لو سألوني من أطهر وأنقى وأعف السياسيين الذين حظيت بمعرفتهم سأجيب بطلاقة وبلا تردد ولا بمحاولة استدعاء للذاكرة: عبد الله زكريا لا شيء في جعبتي غير شوقي إلى ثدي تلك النجوم التي أرضعتنا حليب السماء القديم وغير احتفالي لما تركته المجرات في سيرها من اثر إنه صيغة كبرت خارج الزمان وكأن الله استأصل من دواخله كل مكامن الشرور والرذائل.. عرفته من الشعر ومن القصائد المظللة التي تحمل أكثر من معنى من قصيدة (صحو الكلمات المنسية) التي ورد فيها اسم زكريا كثيراً كنت متيقناً أن النور عثمان كان يخاطب النبي زكريا وكانت موضة القصيدة المستحدثة في الستينات فالسياب كان يخاطب ميدوزا التي تحجر أعينها كل كائن حي وكذلك كان صلاح أحمد ابراهيم يزج بمريا والبياتي كان يتفرد بهوميروس واشتعلت هذه الحمى اللاهبة من الأساطير حتى بلغت شأوها حين سمي الشاعر علي أحمد سعيد نفسه (أدونيس) وللنور بنات اسم احداهن (إيزيس) كانت قصيدة صحو الكلمات المنسية لونية غنائية جديدة على شعر التفعيلة السوداني.. إنما قصيدة التوازن الخلاق الدقيق الذي رمز للغابة بوصفها موطناً وللصحراء باعتبارها حاضننا الثقافي وعبَّر النور ذات مرة بقوله (إنها لونية السماحة التي تجمعنا باخوتنا الزنج والعرب) .. في عيني فجر الحب .. وخمر الصيف وما حملته يداك إلى شعبي في عيني موج أخضر في عينيك وموت يصرخ غجرياً في عيني وجهك زكريا أنقى من وجه العذراء سألت النور ذات مرة عن (زكريا) ومدلوله الرمزي في تلك القصيدة التي اختار عنوانها لمجموعته الشعرية التي كتبت في الفترة من 58 إلى عام 64 فأخبرني بأن زكريا هو الأستاذ عبد الله زكريا الذي كان عضواً في الجماعة الإسلامية وتحول لاحقاً لمنظر للحزب الاشتراكي الإسلامي الذي يتبنى أطروحته العقيد معمر القذافي.. ثم جمعتني الظروف لاحقاً بعبد الله زكريا وهذا ما سأفصح عنه غداً بإذن الله.