تواجدت في صيوان عزاء الغائب الحاضر الأستاذ محمد إبراهيم نقد قبل وبعد التشييع مكلوماً ومحزوناً على الفقد الكبير، فقد كان الرجل عليه رحمة الله، رمزاً من رموز التضحيات الباذخات من أجل حرية وكرامة الشعب السوداني في زمن الاستعمار البريطاني وحتى وافاه الله بعد أن كانت معظم سنوات حياته العامرة بالدروس والعظات، معاناة وتعباً في مواجهة الأنظمة والحكومات العسكرية والشمولية، حيث تارة تجده معتقلاً دون محاكمة في سجن كوبر أو غيره من السجون الحكومية، وأخرى تجده لسنوات عديدة في سجن اختاره لنفسه وهو الاختباء والاختفاء الذي لا يعرف مكانه فيه إلا القليلون من قيادات الحزب الشيوعي السوداني، وتعجز كل الأجهزة الأمنية في الوصول إليه وهو يقود العمل السري ويصدر القرارات لمنسوبي حزبه من مكان يصعب تحديده مما جعل حياة ذلك القائد الفذ تتراوح ما بين الاعتقال الرسمي والاختفاء الإرادي الذي تتطلبه المرحلة النضالية المعينة في الزمن المعين والتي تستوجب الاستنارة بآرائه وأفكاره في القضايا السياسية الشائكة بعيداً عن سجون الحكومة التي تحد من حركته وتحرمه من أداء دوره القيادي في حزبه. لقد عرفت الغائب الحاضر الأستاذ محمد إبراهيم نقد عن قرب أثناء تكوين مجموعة قوى الإجماع الوطني وفي عدد من الاجتماعات التي انتظمت بدار حزب الأمة ودار الحزب الشيوعي السوداني بالخرطوم، فكان دائماً قليل الحديث يجيد فن الاستماع بصبر قلما تجده في كثير من قادة السياسة في بلادنا، وكانت كل كلماته القليلة المختصرة ذات فائدة عالية دون تجريح أو إساءة لأحد، فلم أسمعه يوماً ينتقد المؤتمر الوطني إلا بموضوعية العارف بكل دروب السياسة الوعرة ولم يتحدث عن إخفاقات في الدولة إلا أشار بحنكة وحكمة للحلول الممكنة، كان عليه رحمة الله عنصراً مهماً وفاعلاً في مؤتمر الأحزاب السودانية ب«بجوبا»، واذكر أنه قال لي بعد الجلسة الأولى التي خاطبها الرئيس سلفاكير «يا ريت لو أخوانا في المؤتمر الوطني كانوا حاضرين ومشاركين بأفكارهم وعلى الأقل كان في الإمكان تقريب وجهات النظر، لأننا لم نأتِ إلى هنا للتآمر ضد أحد، بل لإيجاد الحلول الموضوعية لمشاكل السودان المزمنة وعلى رأسها الاستقرار الديمقراطي والسلام في دارفور ووحدة البلاد شمالاً وجنوباً». تلك كانت أفكار وآراء القائد الغائب الحاضر محمد إبراهيم نقد الذي عرف بين أهله وزملائه في السياسة بالهدوء والكرم الفياض وحب الوطن. وفي ليلة ختام العزاء والتأبين انبرى السياسيون في الحديث المطول عن مآثره ومواقفه وتاريخه المشرف لكل أهل السودان، رحم الله الأستاذ المعلم بقدر ما قدم من تضحيات ومعاناة من أجل الشعب السوداني الذي سيظل ذاكراً وممتناً له حتى يرث الله الأرض.